الانفتاح الأميركي على سوريا مهمة شاقة ولكنها غير مستحيلة

الانفتاح الأميركي على سوريا مهمة شاقة ولكنها غير مستحيلة
إعداد: نزار عبد القادر
عميد ركن متقاعد

مقدمة: دور سوريا المحوري

خلال ثلاثة عقود لم تشهد العلاقات الأميركية - السورية أي نوع من الاستقرار والتفاعل الإيجابي، باستثناء الفترة التي تلت حرب تحرير الكويت العام 1991، وذلك بسبب مشاركة سوريا العسكرية إلى جانب قوات التحالف في تلك الحرب.

وشهدت فترة رئاسة جورج دبليو بوش مواجهة أميركية - سورية حيث ربط الرئيس بوش سوريا بمحور الشر المعادي للولايات المتحدة، وعمل خلال ثماني سنوات على عزلها وممارسة كل انواع الضغوط عليها بهدف تغيير سلوك الحكم السوري تجاه مختلف أوجه الوجود الأميركي في المنطقة. لم تتحقَّق الأهداف الأميركية، وفشلت سياسة بوش تجاه سوريا، بكل المقاييس السياسية والديبلوماسية والأمنية.

بلغ التدهور في العلاقات الأميركية - السورية الحضيض عشية القرار الأميركي بغزو العراق في آذار/مارس 2003. فلقد اتخذت كل من سوريا وايران موقفاً معارضًا للاحتلال الأميركي في العراق، واتهمت سوريا بفتح حدودها أمام المقاتلين الأجانب الراغبين في محاربة قوات التحالف داخل العراق. وهكذا تعرّضت العلاقات بين البلدين لمزيد من الصدمات بسبب الاتهامات الأميركية لسوريا بأنها تقف وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ودعمها حزب الله في حرب تموز/يوليو العام 2006، وأيضاً لاتهامها بدعم حماس في تنفيذ الانقلاب الذي قادته في غزة ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة "فتح"[1].

شكَّلت العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وإيران مصدر قلق لكل من الولايات المتحدة ودول "الاعتدال العربي" حيث اتهمت سوريا بقيادة "قوى الممانعة" التي حالت دون حصول أي توافق عربي حول ما كان يجري في العراق، وفلسطين، ولبنان. نتيجة هذه المواجهة مع سوريا قرَّرت الولايات المتحدة سحب سفيرها من دمشق، وفرضت مجموعة من العقوبات ضد مجموعة من الأشخاص والشركات السوريين بتهمة دعم المتسلِّلين إلى العراق أو للشبهة بعلاقاتها بمنظمات إرهابية.

عندما أعلن الرئيس أوباما قراره بالانفتاح على سوريا، كان يدرك عمق التدهور الحاصل في العلاقات المشتركة، كما كان يدرك صعوبة تجاوز كل الاتهامات الموجَّهة إلى دمشق من قبل إدارة بوش، وفي مقدمها الاتهام بالتطرف والتخريب على الوجود الأميركي في العراق ولبنان، وعلى السلطة الفلسطينية. لقد قرَّر أوباما تجاوز هذا الإرث الثقيل وبناء علاقات جديدة مع سوريا انطلاقًا من التطور الإيجابي الذي حصل في الموقف السوري تجاه العراق ولبنان، واعلان الرئيس بشار الأسد بالرغبة في الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية.

عندما زارت الوزيرة هيلاري كلينتون الشرق الأوسط مؤخرًا شعرت بأن المنطقة تعيش حالة اضطراب، وأجواء من فقدان الثقة بين كل اللاعبين الأساسيين. ويبدو أن السيدة كلينتون قد أدركت بأن مفاتيح معظم الأبواب للبحث عن حلول للأزمات الإقليمية الراهنة هي موجودة لدى دمشق[2].

ما هي أسباب تمتع سوريا بهذا القدر من النفوذ في أكثر من مسرح وأكثر من مسألة؟ وما هي المقاربة اللازمة لتحويل هذا النفوذ الذي تملكه لصالح الاستقرار والسلام؟

عملت سوريا خلال عقود على بناء علاقات استراتيجية مع بعض القوى والديناميات الفلسطينية وخصوصًا مع الجبهة الشعبية - القيادة العامة، وفتح الانتفاضة، كما دعمت حزب الله سياسيًا وعسكريًا لأكثر من عقدين، مع إدراكها خطورة ردود الفعل العسكرية من قبل إسرائيل، وركوبها مخاطرة الدخول في حرب واسعة. واستضافت، من ناحية ثانية، قيادة حماس وقدَّمت لها الحماية والمساعدات اللازمة كلها، ونسجت علاقات وثيقة مع قيادات سنيَّة وشيعية داخل العراق ما أتاح لها القدرة على التدخل ضد الإحتلال الأميركي، من جهة، ودعم قيام سلطة عراقية تعمل على إشاعة الهدوء والاستقرار وتحافظ على وحدة الشعب والأرض من جهة أخرى.

نجح الرئيس بشّار الأسد في إتقان لعبة مواجهة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ضد نظامه. وقدّمت له إيران أنواع الدعم اللازم كلها لتعميق علاقاته مع قوى الممانعة، بحيث امتلكت سوريا الأوراق الاساسية لدعم عملية السلام أو للدفع باتجاه أزمات جديدة تضع المنطقة على شفير الحرب، وليس من باب المغالاة أن يقال بإن الحرب في تموز/يوليو العام 2006 في لبنان أو الحرب في غزة هي نتيجة مباشرة للدعم الذي قدّمه لحزب الله وحماس التحالف الإيراني - السوري.

من خلال القراءة التي أجرتها السيدة كلينتون حول أزمة العلاقات الفلسطينية بين السلطة وحماس، والأزمة المتفاقمة بين إسرائيل والفلسطينيين، بالاضافة إلى تعقيدات المسار الفلسطيني وضعف القيادة الإسرائيلية الراهنة، كان لا بدّ لها من أن تدرك بأن المخرج من الوضع المعقَّد السائد الآن موجود في دمشق وممكنٌ ولوجه من خلال إعلان رغبة سوريا بالسلام.

لا يشكو المسار السوري من التعقيدات التي يواجهها المسار الفلسطيني وخصوصًا بما يعود لحل قضية حق العودة أو لجهة السيادة على القدس وجعلها عاصمة للدولتين، بالاضافة إلى قضية المستعمرات. وتتركَّز المطالب السورية في السلام مع إسرائيل على جلاء القوات الاسرائيلية حتى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 في حين تنطر اليوم إسرائيل إلى أهمية الجولان بمنظار مختلف عن الماضي بحيث أنها لم تعد تعتبر وجودها على الهضبة ضرورة أمنية واستراتيجية.

إن توقيع اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل سيؤدي إلى فتح الباب أمام دخول لبنان في مفاوضات جادَّة لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. ويشكِّل المسار اللبناني قضية رئيسة بالنسبة إلى أمن اسرائيل، بحيث أنه يحقق أمن شمالها وحل عقدة سلاح حزب الله، وضبط الوجود الفلسطيني المسلَّح داخل لبنان.

لا يمكن تصوُّر تحقيق مثل هذا النجاح على المسار اللبناني في غياب موافقة سورية واضحة. فثمة اعتقاد راسخ حول قدرة دمشق على استعمال نفوذها مع إيران وفي لبنان من أجل وقف عمليات الجناح العسكري لكل من حزب الله وحماس والجبهة الشعبية - القيادة العامة وفتح الانتفاضة وغيرها من المنظمات العسكرية الأصولية[3].

تدرك الإدارة الأميركية أهمية دور سوريا، ليس في ما يعود لعملية نزع السلاح وضبط الأوضاع في لبنان وفلسطين، وحسب، بل أيضًا في أهمية هذا الدور في تحقيق الاستقرار داخل العراق بعد الانسحاب الأميركي الذي وعد الرئيس أوباما باجرائه خلال العام 2011. يواجه العراق خطر استمرار العمليات الإرهابية التي تقودها منظمة القاعدة، وأيضًا خطر تصعيد المواجهات الطائفية والإتنية، وفي كلا الخطرين يمكن أن تضطلع سوريا بدور أساسي في ضبطهما. كما يمكن أن تؤدي دمشق دورًا رائدًا في دعم الحكم العراقي وتقويته، وصيانة وحدة الشعب والأرض والتي تشكل مصلحة سورية استراتيجية[4].

هناك حواجز عديدة أمام عملية الانفتاح الموعود على سوريا لكن ذلك يجب أن لا يحول دون بذل إدارة أوباما كل الجهود الممكنة لإنجاحها. ويبدو من مجمل المواقف السورية أن دمشق هي على أتم استعداد للدخول في شركة فاعلة مع واشنطن تؤدي إلى تعاون وثيق من أجل حل كل المسائل والأزمات الراهنة.

وهكذا فانه بالرغم من إدراك مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأميركية العقبات والحواجز التي قد تؤخر أو تعرقل عملية الانفتاح، هناك إصرار من قبل بعض دوائر البيت الأبيض والكونغرس والخارجية بأن الحوار مع سوريا سيؤدي إلى حلحلة التعقيدات والأزمات كلها التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة. وفي رأي دعاة تسريع الحوار فإن دمشق تملك القدرة على إشاعة أجواء الاستقرار في العراق، ونزع سلاح حزب الله، وضبط حماس، ودفع إيران نحو الاعتدال والتجاوب مع المبادرات الأميركية والأوروبية في المنطقة[5].

يهدف هذا البحث إلى استطلاع الفرص والعقبات التي يمكن أن تواجهها عملية الانفتاح الأميركي على سوريا، ويستدعي تحليل موقع سوريا كلاعب أساسي في شؤون المنطقة، وقدرتها على التأثير سلبًا أو إيجابًا في كل ما تواجهه المنطقة من مشاكل وأزمات. كما يتضمَّن استعراضًا لكل الهواجس الأميركية والسورية، والخيارات المتاحة لمعالجة العلاقات المترديَّة بين واشنطن ودمشق.

لا بد من تحليل المسائل الخلافية كلها سواء تلك المتعلقة بلبنان (المحكمة الدولية، القرارات الدولية، وسلاح حزب الله)، أو تلك المتعلِّقة بالعراق، أو بالوضع في غزة والعلاقة مع حماس أو علاقة سوريا بإيران. وستُفرد مساحة لاستطلاع إمكان تحقيق السلام بين سوريا واسرائيل مقابل الانسحاب من الجولان. ولا بد في النهاية من الخروج بعدد من الاستنتاجات حول ارتقابات نجاح عملية الانفتاح او فشلها، ومردود ذلك على استقرار المنطقة ومستقبلها.

 

1 – سياسة العزل والعقوبات

تستعد الديبلوماسية الأميركية للوفاء بالوعود التي قطعها الرئيس باراك أوباما للانفتاح على سوريا في وقت ما يزال بعض الخبراء يرجِّح صعوبة اجتياز الحواجز كلها التي وضعتها إدارة جورج بوش أمام أي عملية تطبيع للعلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا. ويرى هؤلاء الخبراء أن اقتناع الطرف الأميركي بضرورة الانفتاح على دمشق ينطلق، أولاً، من استعداد دمشق الواضح للتفاعل بإيجابية كاملة مع المبادرة الأميركية، وثانيًا، من حقيقة أن سوريا تشكل لاعبًا هامًا في السياسة الإقليمية وذلك انطلاقاً من قدرتها على الاضطلاع بدور مهم في كل من لبنان وفلسطين والعراق، وثالثًا، بسبب علاقاتها الاستراتيجية مع إيران ونفوذها لدى حماس وحزب الله(6).

فتحت الولايات المتحدة مؤخرًا باب الحوار مع دمشق من خلال زيارة وفد رفيع المستوى من الكونغرس الأميركي برئاسة المرشح الرئاسي العام 2004 السيناتور جون كيري، حيث قابل الرئيس بشَّار الأسد وبحث معه في مستقبل العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى المنطلقات الجديدة للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وتختلف هذه الزيارة عن التي قامت بها نانسي بيلوسي على رأس وفد من مجلس النواب في نيسان/أبريل 2007، حيث قرَّرت زيارة الرئيس الأسد بالرغم من اعتراضات الرئيس جورج بوش على الزيارة. في المقابل حظيت زيارة وفد السيناتور كيري بموافقة وزارة الخارجية الأميركية حيث ذكرت المعلومات أن رئيس الوفد اجتمع إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ضمن إطار الاستعداد للزيارة، كما تحدَّثت تقارير صحفية عن اعطاء الرئيس أوباما الضوء الأخضر لإنطلاقها(7).

ذكرت معلومات رسمية من واشنطن أن الرئيس أوباما قد باشر اتخاذ خطوات إيجابية بعد أسبوعين من تسلُّمه سلطاته الدستورية تجاه سوريا، ومن ضمنها رفع بعض العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة، ومن بينها بيع سوريا قطع بدل لطائرات "بوينغ" المستعملة في الاسطول التجاري الذي تملكه الحكومة السورية.

قبل استشراف حظوظ المبادرة الأميركية بالنجاح في إقامة علاقات طبيعية وصحية بين البلدين، لا بد من استعراض أسباب الأزمة القائمة بين واشنطن ودمشق.

استندت سياسة الرئيس بوش تجاه سوريا إلى قاعدة تقول بإن سياسة العزل وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية ستؤدي حتمًا إلى تغيير سلوك الحكم السوري. لكن هذه السياسة فشلت بشكل واضح في تحقيق أهدافها، حيث لم تخضع دمشق للمطالب الأميركية. فلقد أدخلت سياسة بوش العلاقات الأميركية – السورية في نفق مظلم بحيث تضرَّرت العلاقات المشتركة لدرجة لم تكن مبرَّرة بأي من المقاييس، خصوصًا على ضوء مشاركة سوريا في قوات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة من أجل تحرير الكويت العام 1991. صحيح أن علاقات الولايات المتحدة مع سوريا قد واجهت بعض المصاعب في عهد كلينتون والعهود التي سبقته لكنها لم تصل إلى حد القطيعة، أو إلى هذا المستوى من مشاعر العداء الذي خلَّفته سياسة بوش.

يمكن من خلال قراءة متأنية للعلاقات الأميركية – السورية خلال الثماني سنوات الماضية ربط التدهور الذي حصل بمجموعة من المواقف أبرزها(8):

أولاً: اتخاذ واشنطن سلسلة من الإجراءات القانونية والإدارية بهدف عزل سوريا وإضعاف سلطة حكم بشار الأسد ونفوذه. وكانت قد بدأت بقرارات صادرة عن مجلس الأمن بمبادرة أميركية تتعلَّق بدور سوريا ووجودها في لبنان، وبالمحكمة الدولية الخاصة بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي اعتبرتها دمشق موجَّهة ضدها. يضاف إلى هذه القرارات الدولية اتخاذ الإدارة الأميركية مجموعة من القرارات الهادفة إلى عزل سوريا من خلال اعتماد نظام عقوبات اقتصادية متنوِّعة لم يقتصر على التبادل التجاري بل تعدَّاه إلى إجراءات مالية صارمة.

ثانيًا: كان من أبرز عناصر التدهور في العلاقات قرار إدارة بوش سحب السفير الأميركي من دمشق، والذي يعني تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى درجة القائم بالأعمال. وسيتطلَّب تجاوز كل هذه العقبات الدبلوماسية والاقتصادية الكثير من الجهود والوقت وذلك بسبب ما تركته الإجراءات الأميركية من آثار سلبية على كل المستويات بين الولايات المتحدة وسوريا وخصوصًا على مستوى الكونغرس وعلى مستوى تزايد مشاعر النفور الشعبي. فإذا كان من الممكن رفع العقوبات المفروضة ضد سوريا بصورة تدريجية، وبمبادرة من الرئيس أوباما، كما جرى بالنسبة إلى قطع البدل لطائرات "البوينغ" إلا أن الموضوع سيصطدم بعقبة كبرى تتعلَّق بمسألة رؤية أميركا لدور سوريا على المستوى الإقليمي، وخصوصًا في ما يعود إلى شكل علاقاتها الاستراتيجية مع إيران.

ثالثاً: شكَّل الغزو الإميركي للعراق نقطة تحول أساسية في علاقات دمشق بواشنطن ما سبَّب نشوء هواجس ومخاوف لدى سوريا من إمكان تعرُّضها لعدوان عسكري أميركي واسع. وتسببت هذه المخاوف بنشوء حاجة سورية إلى تعميق علاقاتها مع إيران، وتشديد الحصار على القوات العسكرية الأميركية العاملة في العراق.

يضاف إلى توتر العلاقات هذا شعور سوريا باستهداف إدارة بوش دورها العربي، وتحديدًا العمل على عزلها عن كل ما يتعلَّق بعملية السلام، والذي أكَّده عدم تجاوب الإدارة الأميركية مع طروحات الرئيس بشار الأسد لبدء مباحثات مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية.

تقف الولايات المتحدة وسوريا اليوم على مشارف مرحلة جديدة بدأها الرئيس أوباما من خلال الوعود باعتماد سياسة "براغماتية" تجاه الشرق الأوسط والانفتاح على كل من سوريا وإيران. ويقابل هذا الانفتاح الأميركي تبدل إيجابي في مواقف سوريا تجاه العراق ولبنان، بالإضافة إلى إعلان الأسد تكرارًا عن رغبته بالدخول في مفاوضات مباشرة وغير مشروطة مع إسرائيل تؤدي إلى توقيع اتفاقية السلام بين البلدين بعدما أحرزت المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية تقدمًا ملموسًا.

وينظر الأميركيون بعين الرضى إلى تطور العلاقات بين سوريا وتركيا، ويرون أنها تشكل معبرًا من أجل تخفيف وقع الارتباط القائم بين دمشق وطهران ومفاعيله. ويبدو أن وفد الكونغرس الذي زار دمشق برئاسة السيناتور كيري لاستطلاع مدى استعداد سوريا لدعم الجهود من أجل تثبيت وقف النار في غزة والتوصل إلى فترة تهدئة طويلة بين حماس وإسرائيل، قد حصل على وعود سورية بالمساعدة على تحقيق ذلك.

 

2 – الاستفادة من التجربة الفرنسية

يدعو إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن إرسال موفدين إلى دمشق لإجراء محادثات "تمهيدية" مع المسؤولين السوريين، إلى التساؤل حول إمكان استفادة واشنطن من التجربة الفرنسية في إعادة بناء العلاقات بين باريس ودمشق.

يبدو بوضوح أن هناك بعض أوجه التشابه في المنطلقات والآليات التي اعتمدتها فرنسا وما يمكن أن تعتمده الولايات المتحدة. وانطلقت عملية الانفتاح الفرنسية باتجاه دمشق بعد انتخاب ساركوزي، الذي أظهر حماسًا خاصًا للحوار والتحرُّر من السياسة التي كان يتبعها سلفه جاك شيراك، فاعتمد مبادرة مرنة يمكن تعديلها إذا ما اصطدمت بعوائق وموانع، ولكنها وبالرغم من واقعيتها السياسية فإنها لم تتحوَّط لمواجهة الكثير من المخاطر، وخصوصًا لما يعود للأزمة السياسية والأمنية التي كان يواجهها لبنان. وهذا ما يفسر ثبات الموقف الفرنسي بمطالبة سوريا بتسهيل عملية انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتأليف حكومة وحدة وطنية. وهذا ما حدث في أيار/مايو 2008(9).

عبّر الرئيس أوباما عن رغبته في إجراء تغييرات أساسية في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتوجيهها لتكون "واقعية" ومتحررة من النظريات "الايديولوجية" كلها التي أرتكزت عليها سياسات الرئيس جورج بوش والتي تسبَّبت بتصعيد لم يسبق له مثيل في العلاقات الأميركية مع كل من طهران ودمشق. لكن المفارقة تبقى في شخصية كل من الرئيس ساركوزي والرئيس أوباما، حيث يغلب على مقاربة ساركوزي أسلوب "الارتجال" والمبادرة الدبلوماسية المباشرة، بينما يتسم أسلوب أوباما بالانطلاق من خطة مدروسة، مع حرص على تفادي المخاطر والمفاجآت كلها. ويستند هذا الحرص على ضرورة تجنب حصول أي فشل أو اتنكاسات لاحقة في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا.

إعتمد الرئيس ساركوزي أسلوب الدبلوماسية "النشطة" بما في ذلك الاتصال المباشر بينه والرئيس بشار الأسد. وقد تعرَّضت هذه الدبلوماسية لبعض المصاعب وخيبات الأمل في أكثر من محطة. ولا يمكن حتى الآن الاستنتاج بإن هذه الدبلوماسية قد حققت أهدافها من خلال بناء علاقات متينة بين باريس ودمشق.

هناك تناقضات واضحة بين مواقف الدولتين من مجموعة من القضايا الإقليمية الأساسية ومنها الموقف من غزة، والصراع العربي – الإسرائيلي، وعملية السلام، والسيادة اللبنانية، وقضايا الإرهاب، والبرنامج النووي الإيراني. ويلتقي الموقف الأميركي مع الموقف الفرنسي من هذه القضايا، مع وجود تعقيدات خاصة في الموقف الأميركي، وهي تعود إلى عمق المصالح الأميركية في المنطقة، وإلى دور الولايات المتحدة كقوة عظمى، وإلى أهمية المنطقة في الأمن والاستقرار الدوليين(10).

تبقى الاهتمامات الفرنسية في شؤون المنطقة محصورة في عدد من القضايا التي ذكرناها سابقًا. وفي المقابل وضعت إدارة أوباما مجموعة من الأهداف "الطموحة"، ومن بينها الانسحاب من العراق، وقيادة المفاوضات السلمية بين مختلف الأطراف، بالاضافة إلى السيطرة على الوضع المتردي في كل من أفغانستان وباكستان وبالتالي استكمال عملياتها العسكرية ضد طالبان وتنظيم القاعدة. ولعلّ من أكثر القضايا تعقيداً العمل على فك الترابط "الاستراتيجي" القائم بين سوريا وإيران، بما في ذلك علاقة سوريا بكل من حزب الله ومنظمة حماس.

على الرغم من الاختلاف الكبير في طبيعة العلاقات الأميركية مع سوريا ومضمونها بالمقارنة مع العلاقات الفرنسية – السورية فإن قرار الوزيرة كلينتون بإيفاد مسؤولين أميركيين كبيرين إلى دمشق هما السفير جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ودانيال شابيرو، مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط، يذكّر إلى حد كبير بالمقاربة التي اعتمدها الرئيس ساركوزي، والتي بدأت بإيفاد مبعوثين خاصين للاجتماع بالرئيس الأسد من أجل البحث عن مخارج لأزمة العلاقات التي سادت في عهد الرئيس شيراك وخصوصاً بعد اغتيال الرئيس الحريري العام 2005.

أوضحت الوزيرة كلينتون أن الغاية من إيفاد فيلتمان وشابيرو إلى دمشق تركِّز على إجراء "محادثات تمهيدية" مع سوريا. وأكدت أن التباحث يجب أن يكون هادفًا بحيث تتحقَّق المكاسب التي تريدها أميركا (وحلفاؤها) من الحوار. وشدَّدت على أنَّ إيفاد مبعوثين إلى دمشق لا يُعَدُّ تغييرًا في المبادئ الأساسية لسياسة واشنطن حيال سوريا. ويبدو أن الزيارة جاءت على خلفية زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ  السيناتور جون كيري إلى دمشق حيث نقل إلى واشنطن استعداد دمشق لحوار مباشر ومناقشة كل القضايا التي تهم الدولتين، مع احتمال أن تساعد سوريا في حل الخلافات بين الفلسطينيين تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي إفساح المجال لحلحلة تعقيدات الوضع في غزة. وقد تركَّزت محادثات المبعوثين الأميركيين حول مجموعة من القضايا وفي رأسها المصالحة بين السلطة وحماس، تمهيدًا لاستئناف عملية السلام على المسار الفلسطيني.

لا يمكن مقارنة الحوار الذي جرى بين باريس ودمشق بالحوار المرتقب بين واشنطن ودمشق، فالمقاربة الفرنسية تستند إلى علاقات تاريخية تربط بين فرنسا وكل من سوريا ولبنان، وتطورت مع الزمن لتشمل تنمية بعض القطاعات الاقتصادية داخل سوريا، بالإضافة إلى تنسيق المواقف في ما يعود للوضع في لبنان.

في المقابل سيطرت على العلاقات الأميركية مع سوريا أجواء من التوتر العاطفي (السلبي) حيث تعتبر واشنطن أن دمشق مسؤولة عن مقتل عدد من الأميركيين في لبنان وفي العراق، وجاءت إدارة جورج بوش لتضع سوريا في خانة الدول الممانعة للسياسة والمصالح الأميركية في المنطقة، ولتعمل بالتالي على شلّها وعزلها.

على الرغم من الاختلاف في طبيعة العلاقات الأميركية، بالمقارنة مع العلاقات الفرنسية، فيمكن أن تفيد واشنطن من التجربة "الساركوزية" في التعامل مع سوريا خصوصًا لجهة تحديد الأسس التي سينطلق منها الحوار بالرغم من كل أجواء الشك التي تخيّم عليه. وتفترض القطيعة شبه التامة، منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، أن تخضع عملية إعادة بناء العلاقات لفترة من المراقبة والعمل على إعادة بناء قواعد من الثقة المتبادلة. ولا بدّ من أن تدرك إدارة أوباما أهمية بناء علاقات مباشرة مع الرئيس بشار الأسد، والتي يمكن من خلالها اختصار الزمن اللازم لتجاوز الكثير من العقبات على طريق تطبيع العلاقات والحصول على تعاون سوري مباشر من أجل حل القضايا الملحة في كل من لبنان وفلسطين والعراق(11).

قرَّرت واشنطن اتخاذ الخطوة الرسمية الأولى للانفتاح على سوريا الأمر الذي يطرح سؤالاً جوهريًا: هل ينجح فيلتمان وشابيرو في فتح الطريق أمام حوار واسع بين أوباما والأسد على غرار ما نجح في تحقيقه المبعوثان الفرنسيان كلود غايان وجان دافيد لافيت في مهمتهما إلى دمشق؟

 

3 – إغراءات وشكوك

فتح قرار الرئيس أوباما بدء حوار مع سوريا فسحة كبيرة من الأمل لتحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق، وتجاوز أسباب القطيعة كلها القائمة بين البلدين منذ العام 2005، منذ أن قررت الولايات المتحدة سحب سفيرها من سوريا على أثر عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الرئيس الأميركي قد يتفاجأ بصعوبة تجاوز إرث العلاقات المشتركة المحمّل كل أنواع الشكوك والهواجس.

فالحوار سيصطدم بمجموعة من الحواجز التي ستؤخر عملية إعادة بناء علاقات طبيعية وصحية بين البلدين، حيث لا تقتصر التعقيدات الراهنة على ما تسبَّبت به سياسات الرئيس جورج بوش تجاه سوريا خلال السنوات الثماني الأخيرة، بل تعود إلى عقود سابقة حيث سلكت العلاقات بين البلدين طريقًا متعرِّجًا وشهدت أزمات متكرِّرة لم يكن من السهل حلها بصورة جذرية، ما أفسح في المجال لتراكمات ثقيلة. ومن ناحية ثانية، لم تتسم العلاقات الأميركية – السورية بالثبات والاستقرار على عهد بيل كلينتون أو عهد رونالد ريغان، وإنما شهدت فترات من التوتر في أكثر من محطة بحيث يمكن القول إنه قد اتسمت ببروز خلافات جوهرية حول مختلف شؤون المنطقة، وخصوصًا في ما يعود منها لعلاقات سوريا وإيران، وقضايا السلام، وعلاقات سوريا بمنظمات متهمة "بالإرهاب"، والوجود العسكري السوري في لبنان الذي استدعى صدور قرار محاسبة سوريا عن الكونغرس الأميركي، وفي ما بعد القرار الدولي 1559 بمبادرة أميركية – فرنسية مشتركة العام 2004(12).

لم تعد المشكلة الآن حول قرار الانفتاح على سوريا بل كيفية تنظيم عملية الحوار بين البلدين.

على الرغم من وجود أرض مشتركة تتقاطع عليها المصالح الأميركية مع المصالح السورية سواء في ما يعود لعملية السلام حيث تبدي سوريا رغبة قوية في استئناف المفاوضات مع إسرائيل حول الجولان برعاية إميركية كاملة، أو في ما يعود لتسهيل المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها فتح وحماس، أو لجهة دعم الاستقرار في لبنان والمساعدة في تنفيذ بنود اتفاق الدوحة. ما زالت هناك قضايا أساسية تتعلق بمستقبل المنطقة، وبدور سوريا في الخريطة السياسية الجديدة التي ستعمل إدارة أوباما على رسمها في ضوء الاعداد للخروج عسكرياً من العراق.

لا يمكن أن يقتصر الحوار الأميركي – السوري على حل القضايا الإجرائية العالقة بين البلدين، كإعادة السفير الأميركي إلى دمشق، ورفع نظام العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا مقابل دخول سوريا في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل حول الجولان أو مقابل الوعد بضبط الحدود مع العراق، أو استكمال علاقات التطبيع مع لبنان واحترام سيادته واستقلاله. ولا تقتصر المعضلة القائمة عى إنهاء  نظام "العزل" الذي عملت إدارة بوش على تطبيقه ضد سوريا، بل بالعمل على معالجة الأسباب، والتي ترتبط بسياسة سوريا تجاه العراق ولبنان، وحزب الله والفلسطينيين، والعلاقات السورية – الإيرانية، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالإرهاب.

تؤكد المعلومات كلها الصادرة عن مختلف مؤسسات الدراسات وعن مصادر قريبة من إدارة أوباما بأن الحلقة الأصعب في الانفتاح على سوريا ستتركَّز على علاقات هذه الأخيرة بإيران، وتفرعاتها مع كل من حزب الله ومنظمة حماس. ويشعر مختلف المتابعين لهذا الموضوع بأنه لن يكون من السهل تحقيق اختراق كبير في هذا الموضوع حيث لا يتوقَّع أحد أن تضحِّي سوريا بعلاقاتها مع إيران، والتي استغرق بناؤها ثلاثة عقود مقابل وعود أميركية أو إغراءات أوروبية. ويعترف السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، فور عودته من رحلة إلى دمشق اجتمع فيها مع الرئيس الأسد، بأنه "يجب ألا يكون لدينا وهم بأن سوريا ستقبل بإنهاء علاقاتها فورًا مع إيران، ولكن ذلك يجب ألا يشعرنا بوجود تهديد فعلي طالما أن هذه العلاقات غير موجَّهة لإشاعة أجواء من عدم الاستقرار على مستوى المنطقة. إذا اقتنع الرئيس الأسد بإقامة علاقات جديدة مع الغرب فإن ذلك سيأتي بفوائد لنا، وبفوائد للمنطقة، وبفوائد لسوريا نفسها".

ويرى دعاة الانفتاح على سوريا، من أمثال السيناتور كيري، أن دعواتهم لا تأتي من باب التمنيات لكنها ترتكز إلى وقائع ملموسة تتعلَّق بالتبدُّل الحاصل في السياسة السورية. ويذكّر هؤلاء بمشاركة سوريا بمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية، على الرغم من اعتراضات إيران الواضحة عليها. ويؤكد السيناتور كيري أن الرئيس بشار الأسد قد قال له في اثناء اجتماعهما في دمشق إن سوريا هي على استعداد للدخول في مفاوضات سلمية مباشرة مع إسرائيل، وإنها ستتبنَّى مبادرة السلام العربية، وإنها تطالب بمشاركة إميركية كاملة وفاعلة في مباحثات السلام.

لا يمكن توقُّع إقدام سوريا على التخلِّي عن علاقاتها الاستراتيجية مع إيران مقابل الانفتاح الأميركي عليها، أو مقابل وعود برعاية مباحثات السلام مع إسرائيل ورفع نظام العقوبات الذي فرضته إدارة بوش. وستحاول الإفادة من كل ما تقدِّمه أميركا وأوروبا من دعم وتسهيلات اقتصادية، مع إبداء حرصها على أن لا تؤثر علاقاتها الجديدة سلبًا على علاقاتها مع إيران، وهو أمر لا يمكن أن يناقشها أحد فيه، وهو ينطلق من حرصها على الحفاظ على مصالحها الوطنية(13). وتبقى علاقات سوريا بلبنان كنقطة احتكاك محتملة في الحوار الأميركي – السوري، ويتوقَّع من تصريحات الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون أن تبلغ واشنطن إلى دمشق رسالة واضحة بأن أي تحسن في العلاقات بينهما لن يكون على حساب سيادة لبنان أو على حساب العدالة الدولية.

جاء التطوُّر الأبرز في عملية الانفتاح الأميركي على سوريا في أثناء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون إلى المنطقة من خلال إعلانها عن إيفاد جيفري فيلتمان مساعدها لشؤون الشرق الأدنى إلى دمشق، يرافقه دانيال شابيرو من مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وينظر المراقبون إلى هذا التطور المفاجئ على أنه يمثِّل محاولة واضحة لإغراء سوريا بالفوائد المرتقبة من نجاح عملية الانفتاح(14).

لكن العديد من المراقبين فوجئ من اختيار كلينتون لجيفري فيلتمان كمبعوث خاص لإجراء مباحثات تمهيدية مع دمشق، وهو المعروف بإتخاذ مواقف عدائية من سوريا عندما كان سفيرًا للولايات المتحدة في بيروت. وما يزال الجميع يذكر تلك اللافتة التي رفعتها قوى المعارضة في وسط بيروت والتي كتب عليها "أسقطوا حكومة فيلتمان". وهناك تساؤلات حول الحكمة من إرسال موفد من إدارة أوباما عُرِفَ عنه بأنه على علاقة وثيقة مع قوى 14 آذار المناهضة لسوريا. ويذهب بعض التحليلات إلى اعتبار اختيار إدارة أوباما السفير فيلتمان بمنزلة رسالة إلى الرئيس الأسد بأن واشنطن مستعدة للحوار الذي لن يكون على حساب سيادة لبنان. وهو يؤكد على وجود هواجس أميركية حقيقية حول ما يشاع عن محاولات سورية جادَّة للتدخل في الانتخابات اللبنانية المقرَّرة في 7 حزيران/يونيو المقبل(15).

وتأتي مهمة فيلتمان إلى دمشق بعد اجتماعه بالسفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، في محاولة أولية للاتصال، لتؤكد دوره المرتقب في الحوار المقبل. وهنا لا بد من التساؤل حول ماهية دور فيلتمان في دعم عملية الانفتاح الموعود أو عرقلتها.

صحيح أن هناك قناعة واضحة لدى كلينتون وميتشل بضرورة إجراء حوار واسع مع الرئيس الأسد من أجل فتح أبواب التعاون مع دمشق على أكثر من محور واتجاه، لكن لا تتوافر إلى الآن أي ضمانات حول إمكان التوصل إلى نتائج ملموسة. وهذا ما دعا السيناتور كيري إلى تذكير دمشق بالعودة إلى نظام العقوبات إذا لم يتحقَّق التقدم المطلوب.

 

4 – مهمة فيلتمان وشابيرو في دمشق

لم تشكّل زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بالوكالة جيفري فيلتمان مع المستشار في مجلس الأمن القومي دانيال شابيرو إلى دمشق في الأسبوع الأول من آذار/مارس مفاجأة للمراقبين، حيث سبقتها توقُّعات تقول إن اجتماع فيلتمان إلى السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى في 26 شباط/فبراير الفائت جاء ضمن التحضيرات لخطوة تتخذها الإدارة الأميركية للبدء بمحادثات تمهيدية لإطلاق عملية الانفتاح الموعود تجاه سوريا.

من الطبيعي أن لا تتمخَّض مباحثات الوفد الأميركي الزائر مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد ومستشارة الشؤون السياسية والإعلامية بثينة شعبان عن نتائج هامة تمثِّل عملية اختراق في جدار الأزمة المستمرة بين واشنطن ودمشق منذ زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية ريتشارد ارميتاج، والتي انتهت بما يشبه توجيه انذار للقيادة السورية بسبب عدم تجاوبها مع المطالب التي كان قد سبق وتقدَّم بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إلى الرئيس بشار الأسد في أيار/مايو العام 2003.

لا يمكن توقُّع أن تأتي مثل هذه المهمة الدبلوماسية الاستطلاعية وما رافقها من مباحثات تمهيدية بنتائج مهمة تؤسس لاستعادة سريعة للعلاقات الطبيعية بين البلدين، متجاوزة التعقيدات كلها التي افتعلتها إدارة بوش خلال ثمان سنوات متتالية.

وصف السفير فيلتمان مهمته في دمشق بأنها قد جاءت لتلبية رغبة الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون باعتماد سياسة الانفتاح على "جميع دول المنطقة" من أجل معالجة المسائل جميعها التي تشكِّل هواجس متبادلة. واعتبر "أن زيارته مع شابيرو تندرج في سياق هذا الالتزام الأميركي" لإجراء حوار متواصل، ومن منطلقات مبدئية واضحة وفق ما وعد به الرئيس أوباما في ملاحظاته في "كامب لوجان" (16).

وفق المعلومات التي نقلتها وسائل الإعلام يمكن وصف المباحثات التي جرت في دمشق بالبنَّاءة، وبأنها قد تطرَّقت إلى مختلف المسائل ذات الأهمية على مستوى العلاقات المتبادلة، وعلى المستويين الإقليمي والدولي. كانت الزيارة فرصة لإخراج العلاقات الأميركية – السورية من سياسة المواجهة والعداء إلى رحاب العمل الدبلوماسي الهادئ والرامي إلى تحقيق الأهداف التي يسعى إليها الطرفان. وهذا ما يؤكد تركيز المفاوضات التمهيدية على المسائل التي تشكل هواجس لكل من واشنطن ودمشق. وكان من الطبيعي جدًا أن تشمل المناقشات التعرف على مناطق تقاطع المصالح ومناطق اختلافها وتعارضها، مع الاخذ بالاعتبار العوائق والتعقيدات كلها التي تجعل من الضروري التهيئة للدخول في عملية تفاوضية مركَّبة وطويلة تتعدَّد فيها المسارات والأهداف بحيث تقود إلى حل الخلافات القائمة كلها بين الطرفين سواء لجهة ما يجري في العراق ولبنان وفلسطين أو لجهة الموقف من إيران، أو لجهة عملية السلام بين سوريا وإسرائيل، أو لجهة تعريف دور سوريا في النظام الإقليمي الجديد.

هناك اهتمام سوري خاص بالدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من أجل تأمين الانسحاب من الجولان برعاية أميركية وتحقيق معاهدة سلام دائم، الأمر الذي دفع الرئيس بشار الأسد إلى التعبير تكرارًا عن وجود رغبة سورية بالانتقال من المفاوضات غير المباشرة التي رعتها تركيا إلى مفاوضات مباشرة ترعاها الولايات المتحدة. وكانت آخر دعوات الرئيس الأسد قد جاءت في مقابلة أجرتها معه صحيفة "أساهي شيمبون" اليابانية حيث قال إنه "يرحب بالإدارة الأميركية الجديدة للرئيس باراك أوباما، ويرغب في حوار من أجل الدخول في حوار من أجل السلام في المنطقة"، ونقلت الصحيفة عنه قوله "نحتاج إلى أن تضطلع الولايات المتحدة بدور الوسيط عندما ننتقل من المفاوضات غير المباشرة الحالية إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل".

وكان الجديد في موقف الرئيس الأسد دعوته "لإشراك حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المفاوضات". وتشكِّل علاقات سوريا بهذين الحزب والحركة إحدى أبرز حلقات المفاوضات الأميركية – السورية سواء لجهة شطب سوريا عن قائمة الدول الداعمة للإرهاب، أو لجهة نزع سلاح حزب الله وتنفيذ القرارين الدوليين الخاصين بلبنان 1559 و1701، أو لجهة حل النزاع في غزة وتسهيل إجراء مفاوضات إسرائيلية – فلسطينية ضمن إطار الحل القائل بقيام دولتين.

تشكل هذه المسائل المتعلِّقة بالمسار السوري – الإسرائيلي أو بالقضايا الداخلية في كل من لبنان وغزة مناطق يمكن أن تتقاطع فيها المصالح الأميركية مع المصالح السورية، كما يمكن أن يشكِّل الوضع في العراق وقضية اللاجئين العراقيين في سوريا - يقدّر عددهم بمليون ونصف المليون لاجئ - محطة تحظى باهتمام سوري – إميركي مشترك إذ يدعو الطرفان للحفاظ على عراق موحد، وعلى قيام حكم قوي وقادر على تحقيق الأمن والاستقرار.

يبدو من المعلومات التي أدلى بها السفير فيلتمان بعد مباحثاته في دمشق أن قضية السلام تشكِّل نقطة مركزية بالنسبة إلى الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون، وأن السلام يجب أن يكون شاملاً بحيث يتحقَّق بين إسرائيل وجيرانها جميعهم. وهذا سيؤدي حتمًا إلى وجود مسار سوري – إسرائيلي في المستقبل. ولا بدّ من التسلُّح بالصبر بانتظار رؤية الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وإعلان موقفها من عملية السلام.

يؤكد الشرح الذي قدّمه فيلتمان حول عملية السلام أولوية موضوع المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل بالنسبة إلى المحاورين السوريين الذين التقاهم. فهو يقول إن التفويض المعطى من الرئيس أوباما إلى السيناتور ميتشل يتركَّز على تحقيق سلام شامل بين العرب وإسرائيل، وإنه من الطبيعي أن يركِّز ميتشل في بداية مهمته على السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وتطبيق حل الدولتين.

إن إطلاق عملية السلام على المسار السوري ستأتي ضمن البحث عن الحل الشامل، وستبدأ حتماً عندما تتوافر الظروف الملائمة لدى الطرفين(17).

تجاوزت الضغوط المتبادلة بين واشنطن ودمشق حدود الأزمة العادية بين بلدين يختلفان على قضايا ومسائل طارئة. لقد وصلت العلاقات إلى حال المأزق الحقيقي، وهذا ما يؤكده نظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة على سوريا بموجب قانون محاسبة سوريا، بالإضافة إلى سياسة العزل التي اعتمدتها واشنطن وأيَّدها فيها بعض الدول الأوروبية، والتي تسبَّبت أيضًا بتدهور علاقات دمشق مع دول الاعتدال العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر.

خرج فيلتمان وشابيرو بعد محادثاتهما في دمشق باستنتاج أنه لا يمكن حل تعقيدات ملف العلاقات المشتركة والمثقل بعقوبات مفروضة بموجب قانون صادر عن الكونغرس من خلال جلسة أو عدة جلسات من المباحثات مع المسؤولين السوريين، فالأمر يتطلَّب أكثر من اجتماعين، حتى ولو لم يضع السوري أو الأميركي أي ضوابط لطرح المسائل كلها بانفتاح وصراحة تامين، من دون توقُّع حل أي منها في نهاية هذه الجولة القصيرة من الحوار.

من البدهي أن يعود كل طرف إلى قيادته ليعرض تصوراته للدخول في عملية تفاوضية طويلة ومعقَّدة من أجل إعادة بناء علاقات تقوم على تقاطع المصالح بين الدولتين. وستؤدي عملية التقييم والمراجعة إلى تفحص إدارة أوباما للخيارات التي تحدَّثت عنها سوريا من جهة، وإلى تفحُّص الرئيس الأسد الخيارات كلها التي قدَّمتها أميركا من جهة أخرى. وسيقوم الطرفان بتقليب مختلف الخيارات بحثًا عن فرص تسمح بتنظيم عملية الانفتاح لتكون مستمرة وقائمة على أسس واضحة. وستأخذ عملية التحضير لمثل هذا الانفتاح الاستراتيجي بضعة أسابيع قد تمتد إلى مطلع الصيف المقبل، حيث يُظهر بعض التقديرات أن زيارة ميتشل لسوريا قد تتأخر إلى شهر تموز/يوليو.

ويؤكد فيلتمان رغبة الولايات المتحدة أن تكون المباحثات مثمرة، وكذلك توافر الإرادة الحسنة لدى القيادة السورية للسير قدمًا في عملية الانفتاح، ولكن ذلك لا يعني توقُّع حدوث تبدّل "دراماتيكي" في العلاقات بين ليلة وضحاها.

يبدو من المؤتمر الصحافي الذي عقده فيلتمان (بواسطة الاقمار الصناعية من دمشق) بتاريخ 7 آذار/مارس أن لبنان كان من ضمن المواضيع التي جرى بحثها، بما فيها تنفيذ القرار 1701، ومستقبل حزب الله، وتأثير وجود السلاح على آلية تنفيذ القرار الدولي. ورجَّح أيضًا تناول البحث قضية المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك نظرًا إلى اهتمام الرئيس الأسد بها ودعواته لعدم تسييسها، وتعهدات الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون بدعمها من أجل تحقيق العدالة(18).

تبقى عملية الانفتاح في بداياتها ومن المتوقع أن تكون معقَّدة وطويلة ولا تخلو من الحواجز والمخاطر.

 

5 – انعكاسات الأزمة اللبنانية

أ – ضبط السلاح الفلسطيني: يتصف تاريخ العلاقات اللبنانية – الفلسطينية بحالة من الاضطراب الدائم، وغالباً ما تخلَّلته أعمال من العنف الدراماتيكي، ويتحمَّل الجميع مسؤولية هذا الواقع المؤلم للعلاقات بين اللبنانيين والفلسطينيين. كان الوجود الفلسطيني في لبنان مسالمًا في بداية الأمر، ولكنه سرعان ما اتجه إلى العسكرة من خلال قرار الفصائل الفلسطينية بالقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل منتصف ستينيات القرن الماضي. العام 1970 انتقلت قيادة الفصائل الفلسطينية ومقاتلوها من الأردن إلى لبنان حيث سرعان ما انزلقت المنظَّمات الفلسطينية نحو التدخُّل في الشؤون الداخلية اللبنانية، والاصطفاف إلى جانب الحركة اليسارية ضد القوى المسيحية واليمين اللبناني الأمر الذي تسبَّب باندلاع حرب أهلية لبنانية – لبنانية ولبنانية – فلسطينية. العام 1982 شنَّت إسرائيل حربًا واسعة ضد لبنان بهدف تدمير منظمة التحرير وإخراجها منه، وقد نجحت بالفعل في إخراج ياسر عرفات وجميع القيادات الفلسطينية مع مقاتليها من لبنان. وتلت عملية خروج الفلسطينيين عملية عسكرية استهدفت المدنيين الفلسطينيين وعرفت بمجزرة صبرا وشاتيلا.

استغلت سوريا التناقضات بين الفلسطينيين واللبنانيين من أجل التدخل عسكريًا في لبنان بهدف فرض هيمنتها على البلاد والسيطرة على القرار الفلسطيني بعدما أعلن عرفات استقلالية هذا القرار. ونتج عن الدخول السوري خلاف شديد مع منظمة التحرير الفلسطينية أدى إلى اشتباكات عسكرية واسعة كان آخرها معارك في شمال لبنان هدفت إلى طرد عرفات وقوات منظمة التحرير من المنطقة والهيمنة على مخيمي البارد والبداوي للاجئين الفلسطينيين.

تحوَّلت المخيمات الفلسطينية في ظل عهد الهيمنة السورية على لبنان إلى مناطق مقفلة لا تستطيع القوى الأمنية اللبنانية دخولها، وتحوّل السلاح في ظل ضعف القيادات الفلسطينية إلى سلاح للاستعمال الداخلي، ومن أجل تقاسم النفوذ داخل المخيَّمات وحماية بعض الفصائل المتطرِّفة والمجرمين من الملاحقات القانونية.

تنظر سوريا إلى بعض الفصائل الفلسطينية الموالية لها كوسيلة للضغط على إسرائيل عبر الجنوب اللبناني، وكحليف قادر على دعم النفوذ السوري في لبنان إلى جانب حلفائها اللبنانيين وعلى رأسهم حزب الله.

عاد السلاح الفلسطيني في لبنان إلى الواجهة السياسية في الثاني من أيلول/سبتمبر العام 2004 مع صدرو القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، والذي دعا إلى خروج القوات السورية من لبنان وإلى نزع سلاح جميع المنظمات اللبنانية وغير اللبنانية.

أرادت كل من الولايات المتحدة وفرنسا من دعمها هذا القرار أن يستعيد لبنان سيادته الوطنية، وإنهاء الهيمنة السورية عليه، ووقف العمليات العسكرية من جنوب لبنان ضد إسرائيل. وشكَّل إضعاف المحور الإيراني – السوري – حزب الله – حماس هدفًا رئيسًا للسياسة الأميركية على المستوى الإقليمي.

جاءت عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير العام 2005 واتهام سوريا بضلوعها في الاغتيال لتسرّع عملية خروج القوات السورية من لبنان(19).

قرَّرت طاولة الحوار الوطني الأولى في حزيران/يونيو 2006 ضرورة إنهاء الوجود الفلسطيني المسلَّح خارج المخيمات الفلسطينية، وإعادة تنظيم السلاح داخل المخيمات.

ينقسم اللبنانيون والفلسطينيون حول موضوع السلاح الفلسطيني، وتأكد هذا الخلاف من خلال تراجع قوى 8 آذار عن دعم تنفيذ قرار طاولة الحوار. وترى قوى 14 آذار أن القواعد الفلسطينية خارج المخيمات (4 منها على الحدود اللبنانية - السورية وأخرى في تلال الناعمة في جبل لبنان) هي قوى خاضعة للنفوذ السوري، وأن الضرورات الأمنية تقتضي إقفالها كخطوة أساسية على طريق استعادة السيادة. وتؤيد منظمة التحرير الفلسطينية هذا المطلب اللبناني حيث صرَّح ممثلها في لبنان عباس زكي عن ضرورة إخضاع السلاح الفلسطيني للقانون اللبناني. ويعود السلاح الفلسطيني إلى واجهة الاهتمام اللبناني والدولي بعد اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" وانعقاد طاولة جديدة للحوار الوطني.

من الطبيعي أن يستمر الاهتمام الأميركي بموضوع تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان وعلى رأسها القراران 1559 و1701. ويرتبط الاهتمام الأميركي بهذه القرارات الدولية بمجموعة من الأسباب أبرزها:

  1. – دعم السيادة والاستقرار في لبنان وهو أمر أعادت واشنطن تأكيده على لسان الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون لمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس الحريري، كما عاد وأكد الأمر السفير فيلتمان في أثناء زيارته الأخيرة في آذار/مارس 2009 للبنان وسوريا.
  2. – دعم تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان والحفاظ على الاستقرار في المنطقة المحاذية لحدود إسرائيل الشمالية، ومنع وقوع اشتباكات جديدة بين حزب الله وإسرائيل.
  3. – الحؤول دون تسلل منظمات الرفض (الموالية لسوريا) من قواعدها خارج المخيمات إلى الجنوب اللبناني وإطلاق صواريخ بإتجاه إسرائيل كما حدث في فترة الحرب على غزة وبعدها خلال شباط/فبراير 2009.
  4. – الحؤول دون فتح جبهة ثانية (من الشمال) ضد إسرائيل في حال تجدُّد الاشتباكات في قطاع غزة.
  5. – ارتباط وجود هذا السلاح الفلسطيني بالاستراتيجية السورية في لبنان، حيث يشكِّل من وجهة النظر الأميركية مع سلاح حزب الله وسلاح حماس في غزة الدعامة الأساسية للنفوذ السوري في لبنان وفلسطين(20).

من الطبيعي جدًا أن تضع الولايات المتحدة موضوع تنفيذ القرارين الدوليين 1559 و1701 في رأس جدول أولوياتها عندما تبحث مع سوريا مسألة علاقاتها مع لبنان واحترامها سيادته واستقراره. ويشكل هذا الأمر مصلحة أميركية خاصة لتحقيق الأمن الإسرائيلي، كما أنه يأتي ضمن سياسة الحد من نفوذ القوى المناهضة للسلطة الفلسطينية في لبنان وفلسطين.

ب – المحكمة الدولية الخاصة بلبنان: شكَّل إنشاء المحكمة الدولية الخاصة للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات والتفجيرات اللاحقة خطوة أساسية في سياسة الغزل التي اعتمدتها الولايات المتحدة والدول الغربية للاقتصاص من سوريا. وكانت الفرضية، وما زالت، تقضي بأن تتوصَّل التحقيقات إلى قرائن وأدلة تثبت ضلوع سوريا في مؤامرة الاغتيال. ونبَّهت سوريا المجتمع الدولي إلى مغبة تسييس المحكمة الدولية بهدف استعمالها من أجل إضعاف النظام السوري وإجباره على تقديم تنازلات مهمة في قضايا ومسائل أساسية في العراق أو لبنان وفلسطين. وصرَّحت السلطات الأميركية تكرارًا منذ العام 2006 بأن التحقيق والمحكمة الدولية يشكِّلان نقطة محورية في السياسة الأميركية تجاه لبنان. ويبدو أن الأهمية التي كانت إدارة بوش قد علَّقتها على الاستمرار بجدية في التحقيق الدولي ودعم إنشاء المحكمة لم تتبدَّل في عهد إدارة أوباما، حيث جاء في تصريحه يوم الخميس في 12 شباط/فبراير 2009 ليؤكد دعم المحكمة: "إن الولايات المتحدة تدعم بقوة المحكمة الخاصة بلبنان، والتي ستبدأ أعمالها خلال بضعة أسابيع من أجل جلب مرتكبي هذه الجريمة المخيفة (إغتيال الحريري) والجرائم التي لحقتها، أمام العدالة"(21). كما أعلن أوباما دعم الولايات المتحدة استقلال لبنان وسيادته ومؤسساته الدستورية، وأيضًا التزام الولايات المتحدة تنفيذ قراري مجلس الأمن 1701 و1559. لكن ما زال من الصعب تصوّر نتائج توصل المحكمة إلى توجيه اتهام مباشر إلى سوريا بالضلوع في التخطيط وتنفيذ الجريمة. ومن المتوقَّع أن يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة كلها، وهذا ما حذّر منه الرئيس بشار الأسد في تصريحات صدرت عنه في وسائل الإعلام في 11 آذار/مارس قائلاً "بإن تسييس المحكمة الدولية قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على لبنان".

أثار التحقيق الدولي في الجريمة منذ بداياته هواجس لدى القيادة السورية، فعبَّرت دمشق عن قلقها تكرارًا مستبقة صدور التقارير كلها عن لجنة التحقيق الدولية. وبلغت هذه الهواجس ذروتها مع صدور التقرير الدولي عن المحقق الألماني ديتلف ميليس الذي سعى فيه إلى اعتماد استنتاجات سريعة تتهم قيادات سورية عليا بالتخطيط للجريمة وتنفيذها.

خلف ميليس في رئاسة لجنة التحقيق القاضي البلجيكي برامرتز الذي اعتمد مقاربة مختلفة سعى من خلالها إلى تشجيع سوريا على التعاون مع لجنة التحقيق. لكن ابتعاده عن وسائل الإعلام، وعدم تسرّعه في إطلاق الاتهامات لم يبدد الهواجس السورية بالرغم من تعبير المسؤولين في دمشق عن تقديرهم لأسلوب برامرتز.

لم تتغيَّر نظرة سوريا إلى المحكمة على أساس أنها أداة سياسية تعمل من أجل النيل من النظام السوري. فقد صرَّح مسؤول سوري في أيار/مايو العام 2007 عن تشكيكه بدور المحكمة بالقول "لا يبحث الأميركيون والفرنسيون الذي يسيطرون على المحكمة عن الحقيقة، بل يستهدفون رأس نظامنا. إننا سنتعاون مع التحقيق ولكننا لن نستسلم لمحكمة يسيطر عليها الأميركيون"(22).

حاول بعض حلفاء سوريا في البداية إجهاض جهود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لإقرار اتفاقية مع الأمم المتحدة لإنشاء المحكمة الدولية. لكن بالرغم من العراقيل والحواجز كلها فقد نجح لبنان في تشكيل المحكمة التي أصبحت حقيقة لا يمكن التراجع عنها.

إن دعوة الرئيس الأسد إلى عدم تسييس المحكمة الدولية لا يخدم سوريا في حال توصُّل التحقيق إلى أدلة وقرائن تصلح لاتهام سوريا بالضلوع في الجريمة. إن إبقاء المحكمة خارج الاعتبارات السياسية يعرقل إمكان بحث أي تسوية مع الحكم السوري. لا تؤشِّر المواقف السورية جميعها (ومن بينها الموقف الأخير للرئيس الأسد) إلى إمكان قبول دمشق بشرعية المحكمة الدولية، وبالتالي قبولها تسليم الأشخاص المطلوبين للمثول أمام المحكمة، ويمكن توقع نشوء أزمة جديدة بين سوريا والمجتمع الدولي.

من الطبيعي أن تخفِّف عملية الانفتاح الأميركي من الهواجس السورية تجاه المحكمة الدولية، وستجد دمشق في تأخير صدور أي قرار ظني بتحميلها أي مسؤولية عن الجريمة، متسعًا من الوقف من أجل إعادة بناء علاقاتها مع الولايات المتحدة، ومع الدول العربية الأساسية كمصر والمملكة العربية السعودية. وكانت هذه المصالحة العربية قد بدأت فعلاً مع خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز في أثناء القمة الاقتصادية في الكويت خلال شهر شباط/فبراير 2009، ويبدو أنها قد استكملت في أثناء القمة المصغَّرة التي عقدت في الرياض في آذار/مارس والتي حضرها الرئيسان مبارك والأسد وأمير دولة الكويت.

تحقِّق المصالحة العربية بالإضافة إلى بداية الانفتاح الأميركي على دمشق، الطمأنينة التي تريدها القيادة السورية للتجاوب مع التطوُّرات المتسارعة في المنطقة وفي العالم، والتي عبّر عنها بعض التحليلات السورية والقائلة بإنه "لا يمكن أن تسمح سوريا بتجميد صناعة قراراتها السياسية وأن تبقى رهينة لدى المحكمة الدولية. لا تشعر سوريا بأنها تحت النار وبأن مراهنة الولايات المتحدة وغيرها على المحكمة الدولية يشكل خطأً جسيمًا".

من المهم جدًا أن لا يحاول أي من الطرفين الأميركي أو السوري إدخال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على أجندة عملية الانفتاح، لأنها تشكِّل قضية معقَّدة وحسَّاسة بالنسبة إلى كل منهما. ولا يمكن لإدارة أوباما أن تضحي بالمحكمة من أجل تقديم التطمينات التي يريدها الحكم السوري، والتي عكست الحاجة إليها الهواجس التي عبّر عنها الرئيس الأسد في تصريحاته الأخيرة. كما أنه من الضروري أن لا تسعى الولايات المتحدة إلى استعمال المحكمة كوسيلة ضغط على سوريا من أجل إجبارها على الرضوخ للمطالب الأميركية الخاصة بلبنان. وتقضي الحكمة بالتعامل مع هذه المسألة كعملية قضائية بعيدًا عن أي تسييس وذلك على غرار ما جرى في المفاوضات الفرنسية – السورية حيث خرجت المحكمة كليًا من التداول سواء كبند في إعادة بناء العلاقات بين الدولتين أو في مجال التعاون السوري من أجل استعادة الهدوء والاستقرار في لبنان وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

تبرز الحاجة ملحة لاستمرار دعم واشنطن للمحكمة واستقلاليتها ومسيرتها القانونية من أجل تحقيق العدالة، وهذا ما يؤكده تصريح الرئيس أوباما بشأنها.

ج – دعم الحكومة و14 آذار: رمت الولايات المتحدة بكامل ثقلها السياسي لدعم القوى المناهضة لسوريا فور اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وجاءت زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في 28 تموز/يونيو 2005 بعد يوم واحد على تشكيل حكومة فؤاد السنيورة لتؤكد هذا الدعم. وعملت الإدارة الأميركية في الأشهر اللاحقة على تأكيد رغبتها في عزل سوريا، وإضعاف نفوذها في لبنان.

جاءت حرب تموز/يوليو 2006 بنتائج غير حاسمة على المستوى العسكري ما دفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى التعويض عن القصور العسكري الاسرائيلي بقرار دولي من مجلس الأمن (القرار 1701) يسمح بنشر الجيش اللبناني مع قوات دولية معزَّزة في المنطقة الواقعة جنوب مجرى نهر الليطاني.

وساعدت الولايات المتحدة في دعم حكومة السنيورة وقوى 14 آذار من أجل تجاوز كل وجوه المعارضة التي أبداها حلفاء سوريا في لبنان لمنع تشكيل المحكمة الدولية. كما ساهم الدعم الأميركي غير المحدود لحكومة السنيورة في الحؤول دون إسقاط حكومة السنيورة سواء من خلال انسحاب سبعة وزراء من الحكومة أو الضغوط التي مورست في الشارع أو احتلال وسط مدينة بيروت.

كان التحدي الأكبر الذي واجهته الحكومة وأكثرية 14 آذار من خلال التحدي الذي رفعه حزب الله في أيار/مايو 2008 وقراره باحتلال بيروت الغربية عسكريًا بحجة الرد على قرارين اتخذهما مجلس الوزراء بشأن قيادة جهاز أمن مطار بيروت الدولي وشبكة الهاتف الثابتة الخاصة بحزب الله.

شعرت قوى 14 آذار بصدمة كبيرة وانهيار معنوي، كما عبّر بعض قياداتها عن خيبة أمله من الضعف الأميركي وطالب الولايات المتحدة بالقيام بخطوة عملية ضد سوريا كرد مباشر على ما حدث في بيروت (طرد السفير السوري من واشنطن أو التهديد بضرب مطار دمشق). لكن بعد سلسلة من المناقشات قررت الإدارة الأميركية عدم القيام بممارسة أي ضغوط مباشرة على سوريا من أجل وقف التدهور الحاصل في بيروت(23).

كان من نتيجة هذا الاحباط الذي أصاب قوى 14 آذار من جراء شعورها بتخلِّي الحليف الأميركي عنها أن وافقت على القبول باتفاق الدوحة في 21 أيار/مايو 2008، وبالتالي القبول بالخضوع لمطالب المعارضة وأبرزها الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة ثلثها "المعطل".

يبدو أن قبول الإدارة الأميركية باتفاق الدوحة قد جاء على خلفية إدراك وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس بأنه لا تتوافر لدى الولايات المتحدة أي خيارات عملية لاحتواء حزب الله وحلفائه أو مواجهتهم في المستقبل المنظور.

لم تنقطع العلاقة بين واشنطن وقوى 14 آذار بالرغم من الصدمة وخيبة الأمل التي حصلت في أيار/مايو 2008، فيستمر الدعم الأميركي السياسي لقوى 14 آذار في عهد إدارة أوباما. ولا تعارض السياسة الأميركية التقارب الحاصل بين الدولة اللبنانية أو سياسة الجسور بين النائب سعد الحريري أو النائب وليد جنبلاط وحزب الله. ويبدو أن الاهتمام من قبل 14 آذار والولايات المتحدة ينصب الآن على دعم المساعي التي يبذلها الرئيس ميشال سليمان من خلال طاولة الحوار الوطني.

تهتم إدارة أوباما الآن بشكل خاص بالانتخابات النيابية التي ستجري في 7 حزيران/يونيو 2009 حيث سيتوقَّف على نتائجها صورة الحكومة الجديدة في لبنان. ويمكن في حال نجاح حزب الله وحلفائه في الحصول على الأكثرية النيابية في الانتخابات المقبلة أن تتأثَّر السياسة الأميركية تجاه لبنان على اعتبار أن قرارات الحكومة اللبنانية الجديدة ستصب في مصلحة حزب الله وسوريا وإيران وعلى حساب مصلحة أميركا وحلفائها في 14 آذار. ويتساءل بعض المراقبين في حال حصول ذلك عن استمرارية المساعدات العسكرية الأميركية للجيش ولقوى الأمن اللبنانية. وإذا سيطر حزب الله وحلفاؤه على الحكومة فإن ذلك سيؤدي إلى تعقيدات قانونية تمنع تعامل الولايات المتحدة مع هذه الحكومة، وذلك بسبب عدم اعتراف واشنطن بحزب الله، واعتباره منظمة متَّهمة بالقيام بعمليات "إرهابية". لكن لا مواقف رسمية تؤيد وجود مثل هذا التوجه في وقف المساعدات للجيش.

يمكن لإدارة أوباما الاستفادة من التجارب الماضية، وأهمها أن انسحاب سوريا من لبنان قد أفسح في المجال لدعم السيادة ومساعدة مؤسسات الدولة اللبنانية على النهوض. ويمكن من خلال دعم الرئيس سليمان تسريع عملية النهوض الإداري وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية كخطوة على طريق استعادة الدولة مسؤولياتها ووظائفها.

لا بّد من أن تشدِّد إدارة أوباما، من ضمن عملية الانفتاح مع سوريا، على الوفاء بما وعدت دمشق بتنفيذه تجاه لبنان في أكثر من مناسبة، سواء لجهة ترسيم الحدود المشتركة، أو لجهة إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، أو لجهة حل قضية السجناء اللبنانيين في سوريا.

تؤكد تصريحات الرئيس أوباما بمناسبة الذكرى الرابعة لإغتيال الرئيس الحريري على استمرار الدعم للبنان وسيادته واستقلاله، وللمؤسسات الشرعية والدولة اللبنانية والشعب اللبناني. كما تؤكد على أن لبنان سيكون حاضرًا في قلب المباحثات الأميركية – السورية المقبلة.

يطرح الإعلان البريطاني عن قيام الحكومة البريطانية بإجراء اتصالات مع حزب الله (على مستوى متدنٍ) تساؤلات حول مدى استعداد الحكومة الأميركية للإستفادة من التجربة البريطانية بهذا الخصوص. وستؤدي أي اتصالات إلى تسهيل تنفيذ القرارين الدوليين 1701 و1559.

يمكن للإدارة الأميركية أن تستفيد من تصريح الرئيس الأسد حول إمكان إشراك حزب الله وحماس في عملية السلام، وأن تطلب إلى سوريا التقدم بمقترحات محدَّدة حول استعداد حزب الله الدخول في العملية السياسية والدبلوماسية الجديدة.

 

6 – التدخل السوري في العراق

بعد دعوة الولايات المتحدة سوريا إلى المشاركة في مؤتمر "أنابوليس"، ولقاء مسؤولين أميركيين كبار مع مسؤولين سوريين خيَّمت أجواء تفاؤلية حول امكان استمرار الحوار بين واشنطن ودمشق بما يؤدي إلى خروج سوريا من العزلة التي فرضتها عليها إدارة بوش. لكن لم يعش هذا الحوار طويلاً حيث قطعته سوريا (بشكل مفاجئ) على أثر غارة جوية شنَّتها القوات الأميركية في 26 تشرين الثاني/نوفمبر داخل سوريا بهدف قتل شخص متهم بتهريب أسلحة ومساعدة مقاتلين داخل العراق وفق الرواية الأميركية، بينما قالت سوريا إن الغارة استهدفت مدنيين ووصفتها بأنها "عمل عدواني وإرهابي".

مع فشل القوات الأميركية في ضبط الأمن داخل العراق، وتقصير إدارة بوش في فتح حوار بناء مع دول جوار العراق، خصوصًا إيران وسوريا، شهد العراق العام 2006 ظروفاً وتطورات مأسوية، كان من أخطرها تحوّل بغداد إلى مسرح للقتال المذهبي، كما أفلتت الأوضاع الأمنية في طول البلاد وعرضها من كل الضوابط حيث حلّت مكان الهدوء والاستقرار الموعودين شريعة الغاب.

كانت سوريا قد اعتمدت استراتيجية للتدخل في العراق منذ العام 2003 وذلك على اعتبار أن تدخُّلها سيضعف قوى الاحتلال، وسيقنعها بالانسحاب من العراق، كما سيضعف قدراتها على تهديد سوريا. لكن، وبعد ثلاث سنوات، إقتنعت سوريا بأن التطورات داخل العراق قد جنحت نحو مسار خطير، وبأن الحرب الأهلية داخل العراق تشكِّل تهديدًا لسوريا نفسها. دفع خطر تمدُّد الحرب الأهلية العراقية إلى داخل سوريا المسؤولين السوريين إلى اعتماد سياسة واقعية وعقلانية تجاه ما يجري هناك. وكان أبرزها الانفتاح على السلطة العراقية وإيفاد وزير خارجيتها وليد المعلم إلى بغداد في تشرين الثاني/نوفمبر 2006، وإعادة فتح السفارة السورية في العراق، وهي خطوة أساسية على طريق الاعتراف والتعامل مع الحكم القائم في بغداد كسلطة عراقية شرعية. كما وسَّعت دمشق اتصالاتها لتشمل مختلف القوى السياسية العراقية، على أساس أن ذلك يعطي مؤشرات حول اعتمادها سياسة بناءة تساعد على استعادة الاستقرار(24).

لم تتسم الردود الأميركية بالواقعية أو العقلانية تجاه التبدّل الذي حصل في الموقف السوري تجاه العراق، وذهبت واشنطن إلى اعتبار أن ما قامت به سوريا من خطوات كان بقصد خدمة المصالح السورية وبأنه لا ينطلق من تغيير حقيقي في السياسة السورية. وكان الرد الأميركي الأول بالدعوة إلى زيادة عديد القوات الأميركية العاملة داخل العراق من أجل فرض سيطرة أمنية ميدانية فاعلة.

واعتبرت واشنطن أن مقياس تعاون سوريا ما يزال متمحورًا حول سيطرتها على الحدود مع العراق وعلى طرد البعثيين العراقيين المقيمين في سوريا وعلى إقفال قواعد المتمردين ومنع عبور "الإرهابيين" إلى داخل العراق.

في أيار/مايو العام 2007 اجتمعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس بنظيرها السوري وليد المعلم على هامش قمة "شرم الشيخ"، ولكن لم يؤدِ هذا الاجتماع، الذي اقتصر على استعراض مسائل الخلاف بين البلدين أو الاجتماع الذي تلاه في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 في أسطنبول، إلى أي تبدّل في الوضع المتأزم بين الدولتين. وكان الجديد في اجتماع اسطنبول أن رايس قالت إن المسائل كلها مطروحة على الطاولة وليس الوضع داخل العراق وحسب.

أظهرت محادثات شرم الشيخ بين رايس والمعلم تقاربًا في تقييمهما لما يجري في العراق، وخصوصًا لجهة ضرورة تحقيق الاستقرار أو لجهة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية أو لجة تقصير حكومة نوري المالكي في دفع العملية السياسية باتجاه التوافق والمصالحة الوطنية. ويختلف هذا التقييم الأميركي والسوري "المتقارب" مع التقييم الإيراني للأوضاع داخل العراق(35).

حملت وعود الرئيس أوباما بالانسحاب من العراق خلال 18 شهرًا بعض بوادر التعاون السوري – الأميركي تجاه العراق، حيث صرَّح مسؤول سوري بأن دمشق وواشنطن تتفقان على ضرورة تحقيق الاستقرار داخل العراق وضرورة الحفاظ على وحدة أراضيه. ويتعارض هذا الموقف كليًا مع الموقف الإيراني الذي دعا علنًا إلى قيام كيان سياسي مستقل في الجنوب، وذلك ضمن سياسة إيران لمساندة الأحزاب الإسلامية الشيعية وعلى رأسها المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم.

ترتاح دمشق إلى قرار إدارة أوباما بخفض عدد القوات الأميركية في العراق بشكل كبير خلال العام 2010 وذلك ضمن وعود باستكمال هذا الانسحاب خلال العام 2011. وتشعر بأن من مصلحتها وجود عراق موحد ومستقر إلى جانبها، وهي تبدي الآن تعاونًا جديًا مع الحكومة العراقية من أجل السيطرة على الحدود ومنع تسرب السلاح والمقاتلين.

كانت هناك اجتماعات أميركية – سورية للبحث في قضية اللاجئين العراقيين داخل سوريا، ولكنها لم تؤدِ إلى نتائج على مستوى ما كانت تتوقعه دمشق(26).

لا يمكن توقع تطبيع العلاقات الأميركية – السورية في المستقبل القريب، فالخلافات ما زالت قائمة حول مجمل المسائل، بما فيها لبنان وفلسطين، وتشعر واشنطن بأن الطريق سيكون شاقًا، وبأن قدراتها على إحداث تحوّل أساسي في السلوك السوري هي محدودة. ولا تقل المخاوف والهواجس السورية عن ما تشعر به الولايات المتحدة في مقاربتها الراهنة للانفتاح والحوار.

 

7 – علاقات سوريا مع إيران

أثبتت أحداث غزة الأخيرة واقعية دعوة مارتن أنديك وريتشارد هاس في دراستهما التي نشرت مؤخرًا بضرورة انفتاح إدارة أوباما على سوريا ودعم المفاوضات السلمية بين سوريا وإسرائيل كخطوة أساسية على طريق فصل سوريا عن إيران(27).

تتركَّز نظرية أنديك وهاس حول الأرض مقابل "الاصطفاف" السوري المطلوب ضمن مفاوضات إسرائيلية – سورية بمشاركة أميركية فاعلة تؤدي إلى انسحاب إسرائيل من الجولان (حتى حدود 4 حزيران/يونيو 1967) مقابل تعهد سوريا إنهاء دعمها لحماس وحزب الله، وخفض علاقاتها (بشكل قوي) مع إيران.

لا تتوافر حتى الآن أي وعود أو مؤشرات حول استعداد سوريا للقيام بمثل هذا التبدل الاستراتيجي، وهذا ما يدعو بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية إلى التحذير من سياسة تقديم إغراءات كبيرة لسوريا (على غرار ما حدث في عملية السلام في التسعينيات من القرن العشرين)، يمكن أن تؤدي إلى قرار سوري بتحسين العلاقات مع أميركا والغرب مع الاحتفاظ بتوجهاتها الاستراتيجية الراهنة، وبالتالي الإبقاء على المستوى الراهن من العلاقات مع إيران.

يشجّع فريق داخل إدارة أوباما الانفتاح على سوريا مع الإبقاء على ممارسة ضغوط دبلوماسية وقانونية واقتصادية من أجل إقناع الحكم السوري بتغيير توجهاته وتحالفاته السياسية الراهنة(28).

إذا أرادت الولايات المتحدة تسريع التوصل إلى اتفاق  سلام على المسار السوري فالأمر يستوجب ممارسة الضغط على إسرائيل لمعاودة المفاوضات من حيث انتهت العام 2000. لكن هذا المطلب سيصطدم بمعارضة إسرائيلية شديدة في ظل التبدّل الكبير الراهن في موقف الرأي العام الإسرائيلي من قضية الانسحاب من الجولان، حيث أظهر استفتاء لمعهد داهاف الإسرائيلي تراجعًا في الرأي العام بنسبة الثلثين. يضاف إلى ذلك وجود قراءة تقول إن المطالب السورية ستكون متشدِّدة إنطلاقاً من تقييم الحكم السوري بأن مقاومته للضغوط الغربية تسمح له بولوج باب المفاوضات من موقع قوي وبأن سوريا لن تغيّر من تحالفاتها، وبأن جلّ ما ستقدمه هو القيام بدور الوسيط بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين حماس وحزب الله وإيران من جهة أخرى. من المؤكد أن مثل هذا العرض السوري لن يلقى الترحيب اللازم من قبل إسرائيل.

لا يمكن أن تخضع سوريا لشروط السلام الإسرائيلية وخصوصًا في ما يعود لتغيير علاقاتها الاستراتيجية مع إيران. إن العلاقات القائمة بين دمشق وطهران تتعدَّى حدود تقاطع المصالح التكتية، فقد تحوّلت هذه العلاقات منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي من مجرد التوافق على مواجهة نظام صدام حسين في العراق إلى الالتقاء على تدعيم المصالح السورية – الإيرانية المشتركة في لبنان، وعلى مواجهة الضغوط الأميركية، من خلال العمل معًا ضد الوجود والنفوذ الأميركي في العراق ولبنان وفلسطين. وتُوِّجت الشراكة بين البلدين بتوقيع معاهدة دفاع مشترك العام 2006، وتدعيمها بإتفاقيات اقتصادية وثقافية لاحقًا. لكن هذه العلاقات خضعت لبعض الاهتزازات بسبب دعم سوريا قيام نظام قوي مركزي داخل العراق، وبسبب مشاركة سوريا العام 2007 بمؤتمر "أنابوليس" للسلام بدعوة من الولايات المتحدة بالإضافة إلى إشتراك دمشق بمفاوضات سلمية غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية. وحاولت دمشق وطهران تخفيف مفاعيل هذه الاختلافات بحيث لا تؤثر بشكل ملموس على تطور العلاقات بينهما.

أكدّت سوريا في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول أن الابتعاد عن إيران ليس مطروحًا على الطاولة سواء في المفاوضات مع إسرائيل أو في أي مباحثات مع الولايات المتحدة والغرب، وأن العلاقات السورية – الإيرانية ليست للمقايضة مع أي عروض أو مطالب أميركية وإسرائيلية.

شهدت علاقات سوريا بحزب الله نموًا كبيرًا خلال السنوات الأربع الماضية. كان الرئيس حافظ الأسد ينظر إلى حزب الله كوسيلة لممارسة الضغوط العسكرية ضد إسرائيل، وكأداة لدعم النفوذ السوري في لبنان. والآن يتعامل الرئيس بشار الأسد مع حزب الله كحليف استراتيجي وخصوصًا بعد الانتصار الذي حقَّقه في حرب تموز/يوليو 2006 والذي دفعه إلى اتهام القادة العرب "بانصاف الرجال" بسبب انتقاداتهم لحزب الله في أثناء الحرب.

تحوّل حزب الله إلى أهم حليف لسوريا بعد خروجها من لبنان ولا سيما أنها بحاجة ماسة إلى الإبقاء على سلاحه لدعم نفوذها في مواجهة قوى 14 آذار المدعومة أميركيًا(29).

هناك قناعة شبة عامة بأن الرئيس بشار الأسد يسعى للسلام مع إسرائيل مقابل انسحاب كامل من الجولان، وبأن بإمكانه تسويق هذا السلام لشعبه على أساس أنه يأتي كثمرة للموقف السوري الرافض من خلال عملية السلام. وتأمل دمشق أن تعوّض النقص الحاصل في صادراتها النفطية من خلال حصولها على مساعدات واستثمارات غربية تأتيها كمكافأة على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. لكن لا يُتوقع أن يضعف الموقف السوري تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الحصول على مثل هذه الإغراءات الاقتصادية. ما زال الاقتصاد السوري يعمل بشكل مرضٍ وقد سجل بعض النمو خلال العام 2008 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي(30).

يجد الرئيس الأسد أنه بجانب أهمية تحرير الجولان، فإن دعواته المتكرِّرة للسلام مع إسرائيل ستعطيه فرصة للتقارب مع الغرب ومع الدول العربية المعتدلة وخصوصًا كل من مصر والسعودية والإردن ودول الخليج. سيكون من ثمرة هذا التقارب حصول سورية على تطمينات سياسية وأمنية حول مستقبل النظام بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي والتكنولوجي.

هناك اسئلة عديدة حول الثمن الذي يجب أن تدفعه دمشق لتحقيق هذا الانفتاح على الغرب وعلى الدول العربية المعتدلة؟ وهل يتعادل ما يمكن أن تجنيه من مكاسب مع الثمن الذي عليها أن تدفعه؟

تنتاب الرئيس السوري بعض الهواجس حول ردود فعل الشعب السوري على أي ضغوط يمكن أن تمارسها سوريا على حزب الله ومنظمة حماس كثمن لعملية السلام والانفتاح، بعدما بلغ التأييد الشعبي للحزب والمنظمة أوجه على ضوء النتائج التي حققاها في حرب تموز/يوليو 2006 والحرب على غزة العام 2008.

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: ما هي الظروف التي يمكن أن تهيَّأ لنجاح الانفتاح الأميركي على سوريا؟ ومتى يحين الوقت المناسب لبدء عملية الانفتاح؟ وما هي الخطوات المطلوبة؟.

لا يمكن الانتظار طويلاً للبدء في عملية الانفتاح والحوار مع سوريا وفق نظرية أنديك وهاس فإن الشرق الأوسط يبقى دائمًا عرضة لتطورات تفرض نفسها على الأجندة الأميركية. ويبدو أنه لم يعد من الممكن أن تتأخر عملية الانفتاح على سوريا بعدما أطلق الرئيس أوباما، وبدعم شخصي منه، مهمة الموفد الخاص جورج ميتشل إلى المنطقة.

وتأتي زيارة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة السفير جيفري فيلتمان والمستشار في البيت الأبيض دانيال شابيرو لتوسيع أفق المحادثات التي كان أجراها فيلتمان مع السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى مؤخرًا. على ضوء مهمة فيلتمان – شابيرو في سوريا، والتي وصفها فيلتمان بالبناءة ستقرر وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الخطوات التالية بما في ذلك إمكان إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، وقيام السيناتور ميتشل بزيارة سوريا وإجراء محادثات خاصة مع الرئيس الأسد حول إمكان إجراء مفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل. ولكن يبدو بوضوح أن واشنطن ما زالت متمسِّكة بأولوية مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني.

وإذا كان ثمة نيّة أميركية لممارسة أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية الجديدة من أجل الدخول في العملية السلمية فإن كل الأنظار تتَّجه إلى المسار الفلسطيني وإلى تحقيق حل الدولتين. وترى واشنطن أن هناك ضرورة لإجراء مباحثات مع دمشق لتأكيد قبولها مجددًا بمبادرة السلام العربية بحيث يأتي السلام مع سوريا ضمن حل السلام الشامل والعادل الذي تطالب به المبادرة العربية.

تدرك واشنطن أن عملية الانفتاح على سوريا هي لصالح الطرفين، وأنه من الضروري القيام بخطوات عملية ومدروسة لتشجيع دمشق على اتخاذ مواقف إيجابية تجاه العراق ولبنان وغزَّة، وينصح البعض في إدارة أوباما بضرورة أن تترافق هذه الخطوات مع بعض الضغوط على دمشق من أجل حثها على فك ارتباطاتها مع حزب الله وحماس. لكن من المستبعد أن ترضخ سوريا لهذه الضغوط إلا أذا تأكدت من نجاح عملية السلام واستعادة الجولان.

 

8 – الأجواء المشجّعة على الانفتاح

تحدَّث الرئيس الأسد في الأسبوع الأخير من شباط/فبراير الفائت إلى صحيفة "الغارديان" البريطانية عن عملية الانفتاح الأميركي على سوريا، حيث رأى أن سوريا قد انتظرت بصبر نهاية عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزية العام 2007 لبدء عملية إعادة بناء العلاقات السورية – الفرنسية. وإن سوريا تستعد الآن لإعتماد الاستراتيجية نفسها لإنتظار نهاية عهد الرئيس جورج بوش والترحيب بالرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض خصوصًا بعدما أبدى قناعة بالانفتاح على دمشق.

وعبَّر الرئيس الأسد عن أمله بأن تدعم الولايات المتحدة عملية السلام على المسار السوري من أجل استعادة الجولان، مؤكدًا أنه "لا بديل للولايات المتحدة"(31).

لم تعطِ إدارة بوش أي أهمية لدعوات سوريا بدعم إجراء مباحثات مباشرة مع إسرائيل وذلك بحجة أن دمشق تسعى إلى استعمال المفاوضات مع إسرائيل من أجل إنهاء العزلة المفروضة عليها من قبل إدارة بوش.

عبّرت كل من سوريا وإسرائيل عن رغبتهما في أن تضطلع الولايات المتحدة بدور الوسيط "الشريف" في أي مفاوضات مباشرة بينهما. وشرح الرئيس الأسد الموقف السوري ردًا على دعوات إدارة أوباما للدول العربية والإسلامية للانفتاح بقوله "لم نشد قبضتنا أبدًا، ولقد استمرَّينا في الحديث عن السلام حتى في أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة". ورأى الأسد أن زيارات وفود الكونغرس إلى سوريا تشكل مؤشرًا جيدًا، وأن كل ما سمعناه من الرئيس أوباما ومن الوزيرة كلينتون وآخرين يشكِّل بادرة إيجابية، لكنه حذّر بأننا ما زلنا في مرحلة التصريحات والمؤشرات وليس هناك من خطوات ملموسة".

يبدو أن مرحلة الخطوات الملموسة قد بدأت مع اجتماع فيلتمان بالسفير عماد مصطفى ومن ثم بزيارة فيلتمان - شابيرو إلى دمشق، وكانت عدة زيارات لوفود من الكونغرس قد سبقت هذا التحرك للإدارة الأميركية وكان أبرزها زيارة السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على راس وفد من الكونغرس وبمباركة من الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون.

ويمكن تلخيص بعض المؤشرات المشجِّعة من قبل الجانب السوري على الشكل الآتي:

  1. – شكَّلت رسالة التهنئة التي أرسلها الرئيس الأسد إلى الرئيس أوباما يوم تسلمه لسلطاته الدستورية مع الوعد بالتعاون الوثيق في مختلف الشؤون الإقليمية وفي إحلال السلام، نقطة إنطلاق أولية لانفتاح سوريا على أميركا في عهد الرئيس أوباما(30).
  2. – تعتبر خطابات الرئيس الأسد المتكررة وخصوصًا خطابه في قمة الدوحة وتصريحاته لوسائل الإعلام (محطة الإذاعة البريطانية وصحيفة الغارديان) والتركيز على معاهدة سلام مع إسرائيل مقابل الإنسحاب من الجولان بمنزلة عروض سورية مباشرة للتعاون مع الولايات المتحدة في المجالات شتَّى المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط.
  3. – تعتبر زيارات مختلف الوفود الأميركية وخصوصًا وفود الكونغرس الأميركي، واجتماع الرئيس الأسد مع معظم هذه الوفود كمؤشر على ترحيب سوريا بإجراء مباحثات تمهيدية والتحضير لإجتماعات لاحقة بين الحكومتين من أجل حل الخلافات القائمة والتعاون من أجل إطلاق عملية السلام على المسار السوري.
  4. – توقَّفت الحملات الإعلامية التي كانت تشنُّها وسائل الإعلام السورية ضد الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة بشكل كامل. ويأتي هذا التطور ضمن إطار حرص القيادة السورية على تهدئة الأجواء وإفساح المجال أمام فتح حوار بناء بين العاصمتين السورية والأميركية.

في المقابل صدرت عن الولايات المتحدة مؤشرات عديدة تؤكد على جدّية النوايا الأميركية للانفتاح على سوريا وأبرزها:

  1. قرار أميركي برفع الحظر عن استيراد سوريا قطع البدل لطائرات البوينغ التي تملكها الخطوط الجوية السورية، وتعتبر هذه الخطوة مهمة لأنها تأتي كتجميد لأحد بنود قانون محاسبة سوريا والذي يمنع على الحكومة والشركات الأميركية إجراء تبادلات تجارية مع سوريا.
  2.  سماح الإدارة الأميركية بتحويل مساعدات مالية من قبل المغتربين السوريين إلى مؤسسة BASMA التي تعمل على مساعدة الأطفال المصابين بمرض السرطان داخل سوريا(33).
  3. تشجيع الوفود من الكونغرس ومؤسسات الدراسات على زيارة دمشق من قبل إدراة أوباما والتي كان من أبزرها زيارة الوفد الذي ترأسه السيناتور جون كيري. والتي ما زالت تتردَّد اصداؤها بتكرار الدعوة لتسريع عملية الانفتاح على دمشق، وذلك إنطلاقاً من ما لمسه السيناتور كيري من استعداد لدى الرئيس الأسد للتعاون مع الولايات المتحدة لحل مختلف القضايا العالقة.
  4. شكَّل اجتماع السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى مع جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط بالوكالة وزيارة فيلتمان – شابيرو إلى دمشق خطوة أولية على طريق الحوار وإعادة بناء قواعد الثقة بين واشنطن ودمشق. ومن المنتظر بعد هذه الزيارة أن تتكثَّف الاتصالات وأن تتوسَّع دائرة الحوار لتشمل إمكان إعادة السفير الأميركي إلى دمشق والتحضير لزيارة يقوم بها المبعوث الخاص السيناتور جورج ميتشل للعاصمة السورية خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.

صحيح أن هناك خطوات ومؤشرات عديدة من قبل الطرفين الأميركي والسوري بما يؤشر إلى وجود رغبة صادقة بالانفتاح، ولكن ستعترض هذه المساعي  وهذه الرغبة الصادقة حواجز عديدة، وذلك بسبب ثقل الملفات التي خلَّفتها سياسات الرئيس جورج بوش، ومن هنا فأنه لا ينتظر التوصل إلى حلول سريعة حيث لا يملك أي طرف وصفة سحرية لشفاء مختلف الأمراض والعوارض التي تشكو منها العلاقات الأميركية – السورية.

 

رفع العقوبات جزئيًا عن سوريا

يبقى من أهم المؤشرات على جدّية الرئيس أوباما بالانفتاح على سوريا قرار الإدارة الأميركية بيع قطع بدل من شركة بوينغ إلى الخطوط الجوية السورية. ويشكِّل هذا القرار قبول الرئيس أوباما بالتراجع جزئيًا عن نظام العقوبات الذي فرضته إدارة بوش ضد سوريا من خلال موافقتها على تطبيق القانون الخاص بمحاسبة سوريا الذي أقرّه الكونغرس العام 2004 بقصد معاقبة سوريا على دعمها منظمات تتهمها الولايات المتحدة "بعمليات إرهابية " كحزب الله في لبنان ومنظمة حماس في فلسطين.

يفتح قرار البيت الأبيض الباب أمام وزارة الاقتصاد الأميركية لإعطاء أذونات لشركات أميركية مثل شركة بوينغ ببيع قطع البدل اللازمة لطائرات البوينغ السورية من دون مخالفة القانون الأميركي. وكانت الخطوط الجوية السورية قد واجهت تعقيدات ومشاكل في الحصول على ترخيص بالطيران في الدول الأوروبية لخرقها لقوانين سلامة الطيران بسبب النقص الذي تشكو منه في قطع البدل اللازمة لإجراء أعمال الصيانة الدورية بما يتماشى مع متطلبات سلامة الطيران(34).

لم تصدر أي معلومات بتأكيد الخبر أو نفيه من قبل البيت الأبيض، ولكن مصادر أخرى أكدت صحة هذا القرار: فلقد أكّد السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى حصول سوريا على قطع البدل بقرار صادر عن الرئيس أوباما خلال ندوة تلفزيونية على شبكة NBN اللبنانية(35). وصرح أيضًا الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت وود بما يؤكد هذه المعلومات بقوله "في حالات وجود مسائل تتعلَّق بسلامة الطيران المدني... هناك طرق يمكن سلوكها لتقديم المساعدة اللازمة".

نُقل ايضاً عن وزير الاتصالات السوري في 11 شباط/فبراير 2009 بأن سوريا قد حصلت على تأكيد حول قرار البيت الأبيض بتزويد الخطوط الجوية السورية قطع البدل اللازمة وبأن "وزارة التجارة الأميركية قد أصدرت الأذن اللازم لشركة بوينغ ببيع سوريا قطع البدل اللازمة لطائرتي بوينغ 747 متوقفتين عن العمل منذ أكثر من سنة بسبب نقص في قطع البدل اللازمة للصيانة الدورية(36).

ويأتي هذا القرار برفع العقوبات المفروضة على سوريا كمؤشر على وجود قرار أميركي بإصلاح العلاقات مع دمشق، وهي تأتي بعد مباركة الرئيس أوباما لزيارة السيناتور كيري والنائب هوارد بيرمان إلى دمشق واجتماعهما بالرئيس بشار الأسد.

 

5-الاستنتاجات

ما زالت هناك مصاعب وحواجز عديدة يمكن أن تعترض أو تؤخر على الأقل عملية الانفتاح، ولكن بات من الصعب تصوّر وقف الاتصالات الدبلوماسية واعتماد الحوار كوسيلة لحل الخلافات وتحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق. ستعمل إدارة أوباما على اعتماد مقاربة واقعية، وذات اهداف محدَّدة بدل سياسة بوش التي كانت تطمح إلى تغيير الخريطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط. يبدو منذ الأيام الأولى لصعود أوباما إلى سدة الرئاسة بأن الإدارة ستنفذ ما وعدت به لجهة اعتماد استراتيجية تؤمن انسحابًا مشرّفاًً من العراق، بالاضافة إلى بلورة مقاربة "إيجابية" نحو سوريا وإيران من اجل العمل على حل كل المشاكل القائمة وبالتالي إنهاء سياسة العزل وإسقاط نظام العقوبات اللذين فرضتهما إدارة بوش.

لن تكون الطريق سهلة ومعبَّدة أمام مبادرة الرئيس أوباما للانفتاح على سوريا، وستواجه العملية مجموعة من التعقيدات والعقبات والتي ستعرقل حدوث تحسّن سريع بين واشنطن ودمشق بغض النظر عن توافر رغبة قوية لدى الطرفين وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: إرث العلاقات الثقيل "الموروث" من ثلاثة عقود، ومن أبرز عناصره اتهام الولايات المتحدة لسوريا بدعم الإرهاب وإيواء جماعات متهمة بأعمال إرهابية. تتطلَّب معالجة هذا الإرث تغييرًا أساسيًا في الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا وبالتالي تجاوز جميع التهم الموجهة إلى سوريا.

ثانياً: تتطلَّب عملية تفكيك نظام العزل والعقوبات الذي فرضته إدارة بوش عملاً دبلوماسيًا وقانونيًا يبدأ داخل المؤسسات الأميركية ومنها الكونغرس. وستجد إدارة أوباما صعوبة في إقناع الكونغرس بإلغاء قانون محاسبة سوريا إذا لم تتوافر الضمانات اللازمة حول إرادة سوريا بتغيير سلوكها تجاه الولايات المتحدة والغرب. وإن جل ما يمكن تصوره في هذا الصدد إحراز تقدم بطيء بحيث يجري تفكيك نظام العقوبات على مراحل.

ثالثًا: لا تشجع المقاربات السورية السابقة وفق الإدارة الأميركية سواء في عملية السلام مع إسرائيل أو في العراق ولبنان أو الموقف من نتائج حرب تموز/يوليو 2006 أو الحرب على غزة، على قيام إدارة أوباما بخطوات كبرى نحو تطبيع العلاقات مع دمشق.

ينصح فريق داخل الإدارة الراهنة بضرورة الاستفادة من دروس الماضي وعبره في التعامل مع سوريا، وأبرزها ضرورة الاستمرار في ممارسة الضغوط على دمشق بعد كل خطوة إيجابية تخطوها الإدارة في عملية الانفتاح، وذلك ضمن حدود توفير الضمانة المطلوبة لتجاوب النظام السوري معها. ستؤدي إدارة ملف العلاقات باعتماد مثل هذه المقاربة إلى تأخير حصول اختراق حقيقي وسريع، وخصوصًا لما يعود لمعاودة المفاوضات السورية-الإسرائيلية، والذي تسعى دمشق إلى تسريعه.

رابعًا: يمكن أن يشكل الوضع في لبنان حقل اختبار في عملية الانفتاح وذلك بعد أن أصبح الملف اللبناني أهم من الملف العراقي وذلك على ضوء التحسن الذي طرأ على الوضع العراقي على المستويين السياسي والأمني، وتقاطع المصالح السورية - الأميركية حول مستقبل العراق.

يُشكل موضوع تحقيق السيادة اللبنانية واستقلال القرار اللبناني مساحة مشتركة يلتقي فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري. وتمتلك قوى 14 آذار قاعدة مساندة لها داخل الولايات المتحدة، وإن على إدارة أوباما التجاوب مع هذه القاعدة الناشطة جدًا. وليس من الواضح حتى الآن مدى إدراك القيادة السورية هذه الحقيقة، وقدرتها على التجاوب مع الموقف الأميركي الداعم لقوى 14 آذار، خصوصًا على ضوء نتائج الانتخابات المقبلة وتشكيل حكومة جديدة لا يتوافر فيها للمعارضة "الثلث المعطل"، إذا ما حصلت قوى 14 آذار على أكثرية المقاعد في مجلس النواب الجديد.

خامساً: تشكل علاقات سوريا وتحالفاتها على المستوى الاقليمي عقبة أمام عملية الانفتاح. يتطلَّب أي تقارب مع كل من أميركا وإسرائيل من أجل إطلاق عملية السلام على المسار السوري مراجعة سورية عميقة لعلاقاتها مع إيران ومع كل من حزب الله وحماس، وخصوصًا لجهة مطلب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي أو الموافقة على عملية السلام. وترى إسرائيل في البرنامج النووي الايراني وفي التهديدات التي يطلقها القادة الإيرانيون "خطرًا كيانياً" على وجودها.

سيكون من الصعب جدًا على سوريا التجاوب مع أي مطلب يتعلَّق بالابتعاد عن إيران والتي تحوَّلت إلى حليف استراتيجي بالنسبة إليها، وإن جلً ما يمكن أن تعرضه دمشق هو مهمة القيام بدور"الوسيط" بين إيران والولايات المتحدة وهذا ما بدات تلوِّح به مؤخرًا.

سادسًا: يطرح التعامل مع نتائج الحرب في لبنان وفي غزة وعلاقات سوريا بكل من حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي إشكالية كبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ولا يمكن تصوّر تخلي دمشق عن هذين الحليفين الاستراتيجيين. إن دعوة الرئيس الأسد الاخيرة لإدخال حزب الله وحماس في العملية السلمية ستلاقي اعتراضات من قبل الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، على حد سواء إذ أن عملية المفاوضات وتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل هي من اختصاص السلطتين الشرعيتين في بيروت ورام الله.

سابعًا: هناك تطور إيجابي على المستوى العربي يتركَّز حول المصالحة العربية، ويمكن أن يؤدي التقارب بين سوريا وكل من السعودية ومصر إلى تسهيل الحوار بين دمشق وواشنطن. تزيل عودة سوريا إلى التجاوب والتعاون مع محور الاعتدال العربي عقبة أساسية من طريق مطلب إحياء المفاوضات السلمية برعاية أميركية. لم يعد هناك وجود لأي إمكان أن يسعى طرف عربي لدى إدارة أوباما للاستمرار في ممارسة الضغوط على سوريا وتأخير عملية الانفتاح.

ثامنًا: يبدو أن هناك هواجس سورية من إمكان تسييس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك بالرغم من إصرار سوريا على عدم تورُّطها من قريب أو بعيد في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكان الرئيس بشار الأسد قد حذّر من انعكاسات تسييس المحكمة على الأوضاع في لبنان. إن شعور سوريا بأي عملية استهداف لها سيؤدي حتمًا إلى تداعيات سياسية ودبلوماسية، تؤثر سلبًا على العلاقات مع الولايات المتحدة.

يستدعي نجاح المبادرة التي بدأتها الوزيرة هيلاري كلينتون بايفاد فيلتمان وشابيرو إلى دمشق في مهمة استطلاعية، مجموعة من الخطوات والجهود أبرزها:

  1. إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، وإفساح المجال امام الدبلوماسيين المعتمدين في العاصمتين من التحرك والعمل بصورة طبيعية.
  2. قيام المبعوث الخاص إلى المنطقة السيناتور جورج ميتشل بزيارة إلى دمشق، وتشكل هذه الخطوة مؤشرًا على تجاوب واشنطن مع مطالب الرئيس الأسد بأن تضطلع أميركا بدور الوسيط في التفاوض مع إسرائيل.
  3. اتخاذ سوريا مبادرة واضحة بدعم الحوار اللبناني، والشروع بعملية ترسيم الحدود مع لبنان.
  4. ايجاد أقنية اتصال خاصة بين الرئيسين أوباما والأسد بما يعطي الضمانة لسوريا بأنها لا تخضع لأي عملية ابتزاز سياسي أو دبلوماسي من قبل أي فريق أميركي أو إسرائيلي.
  5. تسريع وضع خطة وروزنامة واضحة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا.

في النهاية يشكل الالتزام الأميركي تحقيق السلام الشامل بما فيه الانسحاب من الجولان، ووفق ما نصَّت عليه مبادرة السلام العربية، عنصرًا أساسيًا لتشجيع سوريا على التجاوب بالسرعة اللازمة مع الجهود الأميركية لإعادة بناء علاقات متوازنة وعملية مع دول المنطقة.

إن المهمة شاقة ولكنها غير مستحيلة.

 

مراجع وهوامش

  1. Michael B. Ozen, “all roads lead to Damascus”, March 2, 2009 at WSJ/World.
  2. Claude Salhani, “war or peace: Syria holds the key”, Middle East Times, March 3, 2009.
  3. Ibid.
  4. Kayhan Barzegar, “For Iraq Stability: look to Iran and Syria”, http://newsweek.washingtonpost. com/postglobal/kayhan_ barzegar/march 13, 2009.
  5. Al-Arabia, Emile Hokayem, “No rush to Damascus until Syria has proved a change of heart”, Published in the UAE, The National , March 4, 2009.
  6. أعطت سوريا إشارة العام 2003 عن استعدادها للقيام بخطوات محدَّدة للتجاوب مع المطالب التي قدَّمها وزير الخارجية الأميركي كولن باول من دون التجاوب مع المطلب الأميركي حول ضرورة إجراء مراجعة عامة لسياستها الإقليمية. وكانت مؤشرات هذا التجاوب السوري غياب القيادات الفلسطينية المقيمة في سوريا عن الإعلام، ونشر عدد من القوات السورية على الحدود مع العراق، وتخفيف الوجود السوري العسكري في لبنان والوعد بالتعاون الاستخباري في موضوع الإرهاب. ويمكن مراجعة هذه التفاصيل في تقرير مجموعة الأزمة الدولية "سوريا: سوريا في ظل بشار" ص8.
  7. (AP), Damascus, Syria "US Senator Hopeful After Syria Talks", February 21, 2009.
  8. Report of the International Crisis Group, Middle East report No.83, "Engaging Syria? U.S. constraints and opportunities", February 11, 2009, p. 5,6 and 7.
  9. Report of the international crisis group, “Engaging Syria? lessons from the French experience", January 15, 2009, p.1-2.
  10. Ibid, p.5
  11. Ibid, see "what lessons are to be drawn", p.14.
  12. Al-hayat, "Syria and the restoration of it's role" by Elias Harfoush, March 9, 2009.
  13. Prem G Kumar, "Realigning Syria" Foreign Affairs, March/April 2009. Volume 88, Number 2, p.136.
  14. صحيفة  الشرق الأوسط، "واشنطن ترسل مبعوثين من وزارة الخارجية والبيت الأبيض لدمشق لأول مرة منذ 2005"، الأربعاء 4 آذار/مارس 2009، ص 5
  15. Ibid.
  16. Jeffrey Feltman, via teleconference, Damascus, DC "briefs on meeting with Syrian officials", March 7, 2009.
  17. Ibid.
  18. Ibid.
  19. International crisis group's report, "Engaging Syria? U.S. constraints and opportunities", February 11, 2009, p 10
  20. Ibid, p 11
  21. “Obama reaffirms U.S. support of Hariri Tribunal”, White House, statement by the president on the Anniversary of the association of Rafic Hariri. February 12, 2009.
  22. International crisis group's report, cited (19), p.13.
  23. Ibid p 15.
  24. Ibid p 25.
  25. Ibid p 25.
  26. Ibid p.26.
  27. Prem G. Kumar, “Realigning Syria”, Foreign Affairs, March/April 2009, p 134.
  28. Ibid, p 134.
  29. Ibid, p 136.
  30. Ibid, p 137.
  31. Asia Times/Middle East, “Syria confident of U.S. détente”, by Sami Moubayed, Februrary 23, 2009.
  32. Ibid.
  33. Ibid.
  34. Wall Street Journal, “U.S. to offer spare airline parts sales to Syria”, by Jay Solawan, February 12, 2009.
  35. مقابلة السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى مع ماريا المعلوف على محطة (إن بي إن) يوم الاثنين 9 آذار/مارس 2009.
  36.  Wall Street Journal, Jay Solawan cited (33).

The United States Openness towards Syria: a difficult yet not an impossible task

During three decades, the US – Syrian relations hasn’t witnessed any form of stability and positive interaction except for the period extending from the Kuwait Liberation war in 1991 due to Syrian military participation side by side with the allied forces in that war.

However, the mandate of Georges W. Bush witnessed a Syrian – US confrontation since President Bush considered Syria as part of the Axis of Evil threatening the United States.

The deterioration in the US – Syrian relations took its toll to the maximum in the aftermath of the American decision to invade Iraq in March 2003. During that stage, both Syria and Iran opposed the American occupation and thus Syria was accused of opening its border in front of the foreign fighters who were willing to fight the allied forces inside Iraq. Consequently, the relations between the two nations suffered from additional blows when the United States accused the Syrian regime of assassinating Prime Minister Rafik Hariri and supporting Hezbollah during the War of July 2006. In the same regard, the United States also accused Syria of supporting Hamas in the execution of the Coup d’état that it led in Gaza against the Palestinian Authority and against Fateh organization.

As a result of these confrontations with Syria, the United States decided to withdraw its Ambassador from Damascus and imposed a series of sanctions against a group of Syrian individuals and corporations by accusing the Syrian regime of supporting the infiltrators or ……..

When President Obama declared his will to open up towards Syria, he realized the huge deterioration which struck the common relations. Furthermore, President Obama also realized the difficulty of overcoming all the accusations raised against Syria by the Bush Administration. Therefore, Obama decided to build new relations with Syria based on the positive development which recently occurred in the Syrian stance concerning Iraq and Lebanon and based on the declaration of President Bashar Assad who expressed his desire to start direct negotiations with Israel under the patronage of the United States.

When Secretary Hilary Clinton visited the Middle East recently, she felt that the region is living in a state of unrest and that the major regional players has no confidence in each others. It seems as though that Mrs. Clinton realized that the solutions for many of the current regional crises are in Syria’s hands.

What are the reasons and facts that empower Syria with this great influence in many arenas and in more than a few issues? What is the necessary approach which can transform this influence to the benefit of peace and stability.

The American Administration understands the importance of the Syrian role, not only regarding the disarmament process and controlling the situation in Lebanon and Palestine, but also concerning the importance of this role in ensuring stability in Iraq after the American withdrawal which president Obama has promised to conduct during 2011.

Therefore, this research aims at exploring the possibilities and obstacles which the United States openness towards Syria might encounter and requires to analyze the position of Syria as a major player in the region’s affairs and its capability to produce a positive or negative effect over the problems and crises of the region. The research also discusses all the Syrian and American concerns and the available choices to deal with the deteriorated relations between Washington and Damascus.

It is most important to analyze all the differences, whether those related to Lebanon (The International Tribunal, the International resolutions, Hezbollah’s weapons), or those related to Iraq, the situation in Gaza, the relation with Hamas or the Syrian – Iranian relations. The research also designates a part to discuss the possibilities of reaching a peace agreement between Syria and Israel in return for an Israeli withdrawal from the Golan Heights.

Finally, a number of conclusions must be drawn regarding the expectations of the success or failure of the openness process and the consequences of these results over the stability and future of the region.   

L’ouverture américaine vers la Syrie: Mission difficile mais pas impossible,
 

Durant 3 décennies, les relations américo-syriennes n’ont pas été particulièrement stables et positive, à l’exception de la période propre à la guerre du Koweit.

Durant la presence du president Bush à la tête de l’administration américaine, une confrontation a eu lieu entre les 2 pays. L’occupation des Etats-Unis pour l’Irak, l’attentat du president Rafik Hariri, son soutien au Hezbollah Durant la guerre de Juillet 2006 ainsi que l’appui octroyé au Hmas ont renforcé l’animosité américaine à l’égard de la Syrie.

Avec l’arrivée du president Obama au pouvoir, une nouvelle tranche a commencé alors avec une intention d’ouverture vers la Syrie même avec l’effondrement des relations mais son défi était alors de bâtir de relations sur de nouvelles bases.

Cet article vise à mettre en relief les chances de réussite mais aussi les difficultés possibles qui peuvent entraver l’ouverture américaine, ainsi qu’une analyse profonde de la place occupée par la Syrie comme pion sur l’échiquier regionale.

De même une description des actualités américaine et syriennes ainsi que le choix possibles afin de consolider les liens entre Washington et Damas.

Il est important aussi d’analyser les themes portant sur le Liban  tels que le Tribunal International, les decisions mondiales et les armes du Hezbollah, ainsi que les questions relatives en Irak et la situation à Gaza et la possibilité d’accéder à travers des négociations avec Israêl.

Finalement quelques conclusions sont à émettre surtout celles concernant la réussite de l’opération du processus d’ouverture ou son échec et les consequences sur la stabilité régionale.