التفوق النوعي الإسرائيلي في خدمة الأداء السياسي والعسكري

التفوق النوعي الإسرائيلي في خدمة الأداء السياسي والعسكري
إعداد: إحسان مرتضى
باحث مختص في الشؤون الإسرائيلية.

1- مدخل

يجمع العديد من الباحثين المعنيين بقضية الصراع في الشرق الأوسط على أن تشديد الرقابة على تدفق الأسلحة على المنطقة، يشكل المفتاح الأساسي لحل مختلف أنواع المشاكل المزمنة والمتفاقمة. وقد ذكرت صحيفة هآرتس([1]) الإسرائيلية أنه إذا ساد إحساس بالأمن بين دول الشرق الأوسط، فسوف يتزايد الميل للتوصل إلى حلول وسط بالنسبة لشتى القضايا الصعبة والمستعصية. غير أن الصحيفة نفسها تضيف أنه لا ينبغي توقع أية نتائج إيجابية في هذا المجال، طالما لم يتم التوصل إلى مداخل حلول جيوسياسية على الأقل ما بين كل من إسرائيل والفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، على غرار ما تم التوصل إليه مع كل من مصر والأردن. إذ كيف يمكن فتح سبل التعاون والتفاهم الإقليمي في وقت لا يتوفر فيه أي قدر من حسن النوايا، وهو أمر انكشف بوضوح أثناء جلسات المفاوضات المتعددة الأطراف في لجنة الرقابة على التسلح، حيث أصرت إسرائيل على أن تأتي الترتيبات الأمنية وإجراءات بناء الثقة قبل المحادثات الخاصة بالرقابة على التسلح، بينما اقترح العرب  المباشرة الفورية في العمل على نزع الأسلحة من المنطقة، بما فيها الأسلحة النووية وغير التقليدية([2]). وهكذا ذهبت كل الجهود على هذا الصعيد سدى، ولم تحرز المحادثات المتعددة الأطراف أية نتائج ملموسة سواء بسبب اختلاف وجهات النظر العربية و الإسرائيلية، أو بسبب تغييب سوريا التي اشترطت مشاركتها في حينه، بإحراز تقدم في المحادثات الثنائية في واشنطن([3]).

والواقع أن إسرائيل حاولت باستمرار وبشتى السبل والوسائل منع إجراء أي نقاش حول قدراتها النووية، وذلك لما توفره هذه القدرة النوعية التي لم تعد سراً غامضاً خاصـة بعد المعلومات التي كشفها الفني النووي الإسرائيلي موردخاي فونونو لصحيفة الصاندي تايمز اللندنية، كشـاهد عيان، من "طاقة رادعة " و "تفوق نوعي" من شأنهمـا أن يشكلا الغطاء الذاتي الذي لا غنى عنه لمشاريعها التوسعية والاستيطانية في ظل الذرائع الأمنية التي لا تنتهي. وقد ساهم الأميركيون، بصورة مباشرة، في دعم هذا الواقع وتثبيته، وهو واقع تكريس احتفاظ إسرائيل بخيارها النووي الاحتكاري، وفي الوقت ذاته إزالة الأسلحة غير التقليدية، التي يملكها بعض العرب، مثل الصواريخ الباكستانية والأسلحة الكيميائية التي تعرف بأنها "أسلحة الفقراء النووية". وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى مناورة إسرائيل في شهـر أيلول/سبتمبر عام 1992 القاضية بموافقتها على الانضمام للمعاهدة الدولية لإزالة الأسلحة الكيميائية كتغطية لمخطط احتكارها للأسلحة النوويـة، وهذا أمر يشـكل في الأساس خللاً غير مقبول في أي مقياس من مقاييس التوازن العسكري، سواء بمفهومه التقني أو السياسي.

 

2- مقاربة تاريخية وستراتيجية لمسألة التفوق النوعي

يشير تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأميركية إلى أنه منذ بداية الحرب الباردة في مطلع الخمسينات، لم يقتنع الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور بأن يلتزم بتفوق نوعي إسرائيلي، في مواجهة ما أثارته إسرائيل في حينه بشأن الإمداد السوفياتي الواسع بالأسلحة لبعض الدول العربية. وكان منطـق الإدارة الأميركية آنذاك أن القدرة البشرية الإسرائيلية والتنظيم العسكري الإسرائيلي قادران على الوصول إلى نقطة توازن مع التفوق الكمي العربي. إلا أن العقل الستراتيجي الإسرائيلية كان مصراً على إحراز التفوق النوعي، من أجل الانتقال من شعب أصابته الكارثة إلى دولة قادرة على إنزال الكارثة بغيرها. ومن شعب مستعبد من قبل الغير إلى دولة تستعبد أبناء شعب جار. "فاليوم نحن نخصص تقريباً ثلث الناتج القومي القائم من أجل بناء القوة والحفاظ عليها. وهذا يشكل أعلى نسبة في العالم... حتى هذه النسبة غير كافية لنا ونحن بحاجة إلى تعزيزها بواسطة دولة عظمى صديقة. فالقوة استحوذت على الأفضلية القومية  الأولى في دولة إسرائيل"([4]) على حد قول الباحث ألوف هارئيفين الذي يضيف: "قبل مئتي سنة، كان مفهوم الأمن عندنا مرتبطاً بعقيدة الاتكال على الله، لكن الأمن أصبح بتفسيره الجديد بمثابة مفهوم الاتكال على قوتنا فقط... وبذلك فإن الخطر الزائد يشكل تبريراً للاحتفاظ بقوة زائدة"([5]).

ورأى اللواء في الاحتياط ابراهام تامير أن القوة النوعية الإسرائيلية لا بد لها من أن تبنى في ضوء مجالين من الاعتبارات: مجال علاقات القوة الأمنية الشاملة ومجال علاقات القوى العسكرية البحتة. وفي المجال الأول، يجب أن يؤخذ في الحسبان اعتبار كل عناصر التفوق في مجال الأمن القومي، ومنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي والديموغرافي والعسكري. أما في مجال ميزان القوى العسكرية البحتة، فرأى تامير أن هناك ضرورة حتمية ومصيرية لضمان التفوق النوعي في كل واحد من العناصر الرئيسية للقوة العسكرية، في البر والبحر والجو وفي مجال أنظمة الردع والإنذار المبكر والسيطرة والمراقبة والشؤون الإدارية والإمداد والتموين([6]). وحدد تامير أن التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية:

          أ- تفوق نوعي في القتال، يهدف إلى تحقيق هدف محدد، مثل احتلال أرض أو الدفاع عنها، وتدمير قوات أو تشكيلات أسلحة أساسية أو شل عملها.

          ب- تفوق نوعي في المعركة، يهدف إلى تحقيق نصر عسكري في الساحة البرية أو الجوية أو البحرية.

          ج- تفوق نوعي في الحرب، يهدف إلى ضمان تحقيق أهداف الحرب([7]) (السياسية).

هذه هي إذن بعض أبرز وجهات النظر الإسرائيلية في ما يتعلق بمفهوم إسرائيل للضرورة الملحة لتفوقها النوعي ضمن إطار مفهومها الستراتيجي العام لأمنها القومي.

لكن الدراسة المقارنة لسياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه هذا الموضوع، تثبت بأن مفهوم التفوق النوعي الإسرائيلية يبقى في إطار التعابير المطاطة غير المحددة الإطار والمضمون، كما وتثبت بأن مستوى هذا التفوق الذي تضمنه الولايات المتحدة بشكل أساسي قد تغير على مدى السنوات، سواء في مستواه الأفقي أو في نوعية المعدات ونظم الأسلحة، وهذا يعود إلى عدم وجود اتفاق واضح بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة حول طبيعة التهديد الذي تواجهه الأولى، مع التركيز على أنه كان لإسرائيل باستمرار الدور الأكبر، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة أدوات الضغط المتعددة التي تمتلكها، في الإبقاء على عدم الوضوح هذا، وذلك بهدف استغلاله وتسخيره في خدمة مشاريعها الجيوسياسية المتحركة. ومن الممكن إرجاع هذا التصرف إلى الاستنتاج المأساوي الذي توصلت إليه القيادات الإسرائيلية المختلفة بعد صراع مرير ودام،ٍ منذ تأسيس الكيان الصهيوني قبل خمسين عاماً، أي منذ 15 أيار/مايو 1948، بأن إسرائيل لم تنتصر بعد في مشروعها، وإنما العرب هم الذين خسروا العديد من الجولات، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبرى حول حقيقة وجود أو عدم وجود مشروع ستراتيجي بالمعنى التخطيطي الكامل للكلمة لدى الإسرائيليين لكي ينتصروا به. وعملية اغتيال رئيس الحكومة السابق اسحق رابين، تدخل في سياق هذا الاستفهام الأبدي. فالواقع أنه يمكن القول إن إسرائيل تضع أحلاماً ستراتيجية تنبثق، في بعض الأحيان والظروف من الاعتبارات الميتولوجية أو الرغبات القومية أو الإيديولوجية الشوفينية، التي تنطلق منها الحركات السياسية بهدف التعبئة، ولكن يوجد فرق هائل ما بين المشروع الستراتيجي للأمم، وبين التعبئة الإيديولوجية، لأن المشروع الستراتيجي يرسم على أساس أن مسألة الوجود بالمعنى الحقوقي والقانوني والتاريخي والإنساني محسومة أصلاً، وذلك من خلال امتداده في العمق الجغرافي التاريخي الوجودي أولاً والوزن الدولي ثانياً والحجم البشري الاجتماعي ثالثاً. ومن هنا إدراك العديد من المفكرين الإسرائيليين أن انتصارات إسرائيل وتفوقها النوعي مسقوفة بالتاريخ ، وبمقولة ان التاريخ قد يعيد نفسه.

وفي هذا السياق، يقول البروفسور يهو شفاط هركابي إن إسرائيل استطاعت أن تنجح بإثبات أنها هدف صامد، على الأقل في المدى القريب، وكان نجاحها واضحاً بإظهار أن هدف العرب السياسي، بالقضاء عليها بحرب شاملة، لا يمكن تحقيقه. ويضيف هركابي: "أما مهمة إسرائيل بإجبار العرب على الاقتناع بأن هدفهم غير مبرر، فكانت مهمة أكثر تعقيداً. وطبيعي أن هذه المسألة ليس لها أي أساس من الصحة أو الحقيقة، لأن هذه المسألة لا يمكن الوصول إلى حل لها بنقاش مفتوح في حالة النزاع لأن موقف العرب كان محصناً بإيديولوجيتهم وأسلوب فهمهم لتاريخ الصراع.." ([8]) ويضيف: "غير أن إسرائيل كانت غارقة في مأزق عميق، فإن قدمت تنازلات هامة من قاعدة وجودها الضيقة، تضعف من قدراتها على مواجهة الضغوط العربية، ولربما بذلك تكون قد أفرغت التمسك العربي بمبررات إدانتها. ولكنها في الوقت نفسه تكون قد سحقت قدرتهم على التمسك بطاقاتهم على إبادتها. وقد أحاطت هذه الحلقة المعيبة الصراع مقيدة حرية إسرائيل بالقيام بأي عمل يدل على حسن النية.. وقد ثبّت امتناع إسرائيل عن تقديم التنازلات، صورتها السوداء في أعين العرب، وقوّى من قناعتهم في تبرير قضيتهم"([9]).

وأكد المفكر الإسرائيلي باروخ كيبمرلنغ أن مشكلة الشرعية تبقى المشكلة الأولى والأساسية بالنسبة لقوة إسرائيل، على الرغم من كل نتائج الصراع العسكري منذ قيامها: "إن مشكلة الشرعية أو عدم وجود حق لليهود في المحافظة على كيان اجتماعي وسياسي... كانت قد رافقت الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ البداية تقريباً، وبخاصة منذ ذلك الوقت الذي أصبحت فيه هذه المشكلة نوعاً من الصراع السياسي بين حركتين قوميتين".

 

وهكذا كانت إسرائيل على الدوام بحاجة إلى عنصرين هامين لتثبيت وجودها ومنحها الشرعية، وهما: الرأي العام الدولي والقدرات العسكرية النوعية المتفوقة. وقد استغلت لإحراز العنصر الأول مسألة "المحرقة النازية" Holocaust كرمز للشرعية الدولية المفقودة، عبر آلية استجداء العواطف الإنسانية الجماعية، مثلما استغلت الرموز الدينية اليهودية والمسيحية لحث يهود الشتات على الهجرة والاستيطان في فلسطين والأراضي المحتلة الأخرى. أما بالنسبة لإحراز العنصر الثاني، فاعتمدت إسرائيل سياسة انتهاز الفرص والاستعانة بالدول الكبرى، بالإضافة إلى قواها الذاتية التي من أبرزها قوة التجسس وأعمال القرصنة العلمية والصناعية.

بهذا الأسلوب الديماغوجي، تمكنت إسرائيل من فرض نفسها بالعنف على المنطقة. وبه أيضاً تمكنت من تزوير الحقائق الجيوسياسية التي فرضتها على الأرض بمنطق العدوان. فإذا بالصراع مع الفلسطينيين والعرب يتحول حسب الأدبيات السياسية الإسرائيلية إلى "تاريخ الفرص الضائعة"، نظراً لأن العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، كانوا يرفضون الحلول المفتعلة المعروضة عليهم بالتعسف والإكراه، ثم لا يلبثون أن يوافقوا عليها بعد فوات الأوان. أما الحقيقة فهي أن العرب والفلسطينيين المغلوبين على أمرهم في ساحة المواجهة العسكرية والديبلوماسية، كانوا يرفضون التنازل عن حقوق لهم لا تملك إسرائيل ولا سواها أية ادعاءات قانونية دولية فيها. وبالتالي، إذا كان العرب أضاعوا فرص الاعتراف بالأمر الواقع لضعفهم أو لتقصيرهم، فإن قادة المشروع الصهيوني، ومنذ الأربعينات وبدعم كامل من الدول الاستعمارية المختلفة المآرب والمصالح والأهداف، قد رفضوا بقواهم الذاتية تارة والمستعارة تارة أخرى، لكن بوعي كامل، المساومة على تمدد هذا المشروع وتطوره، في مقابل سلام الإنكسار والهزيمة حسب تعبيرهم، مع الفلسطينيين والعرب. بحيث لا يمكن اعتبار تاريخ الصراع في المنطقة على أنه تاريخ الفرص الضائعة من جانب العرب بل تاريخ الفرص المرفوضة إسرائيلياً بمنطق القوة والإستقواء والتفوق العسكري والاختباء وراء المنطق الذرائعي الأمني.

هذه المغالطة، هي التي قادت الأمور في المنطقة إلى الوضع الراهن من الاستحالة والعبثية، حيث تقف إسرائيل في الخمسين من عمرها ضمن شرق أوسط يهتز ويتغير وهي خائفة ومخيفة. مخيفة ليس فقط بتفوقها العسكري النوعي وتحكُّمها بالسياسة الأميركية في المنطقة، بل أيضاً بقوة اقتصادها الذي بات ينافس أوروبا في التكنولوجيا، حتى صار دخلها القومي تسعين مليار دولار والدخل الفردي السنوي 17 ألف دولار، وخائفة ليس فقط من السلام الشامل والعادل، حسبما ينادي به العرب، ولا فقط على أمنها الجاري، بل أيضاً من أن تصبح دولة عادية تخرج من عقلية "الحصن والقلعة" و "الغيتو".

ولا يمكن اعتبار زلمان شوفال، سفير إسرائيل في واشنطن، صوتاً معبراً عن أقلية حين يقول: "لا أريد لإسرائيل أن تصبح جزءاً من ثقافة الشرق الأوسط، بل أن تبقى جزءاً من ثقافة الغرب والمتوسط"([10]). ذلك أن إسرائيل مع بنيامين نتنياهو تراجعت أكثر من خمسين سنة إلى الوراء في طروحاتها الشوفينية، شاهرة على العرب سهماً بثلاثة رؤوس، هي أولاً إعادة إحياء الصهيونية، وثانياً الاقتصاد المتفوق وتكنولوجيا الدول الإمبراطورية ذات التطلعات المخيفة وثالثاَ القطع الواضح مع نظرية السلام الشامل والعودة إلى توازن القوى وسياسة المحاور حتى لو أدى الأمر إلى الحرب.

وهكذا نلاحظ في ساحة الإيديولوجيا الإسرائيلية عودة المقولات الثوابت في الفكر السياسي الإسرائيلي، التي تأسس عليها الكيان برمته، مثل "إن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة" و "إن إسرائيل لم تقم بفضل قرارات الأمم المتحدة" و "ليس هاماً ما يقوله (الغوييم) الغرباء بل المهم ما يفعله اليهود". ومن هنا نلاحظ أيضاً أنه مع اغتيال رابين وانتصار الليكود واليمين المتطرف الديني والعلماني، عاد وانتعش في إسرائيل وعي وجودي من نوع خاص، يرتبط فيه التحقق الذاتي الإسرائيلي بامتلاك القوة النوعية العسكرية والسياسية واستخدامها، ليس ضد العرب والفلسطينيين فقط، بل أيضاً ضد أوروبا إذا دعت الحاجة، وضد واشنطن التي هدد نتنياهو بإحراقها، ليس من باب الدعابة حصراً، بل من باب التهديد والوعيد المبطنين أيضاً، ومن باب استعراض العضلات القوية للوبي اليهودي الذي يشكل خط الدفاع الثاني عن الصهيونية. والخلاصة التي يريد نتنياهو أن يوصل الجميع إليها، الآن وفي المستقبل، هي ضرورة تكيف الجميع مع واقع الصراع المستمر الذي لخّصه وزير الدفاع الأسبق موشيه ديان بقوله: "نحن جيل من المستوطنين، ومن دون الخوذة الحديدية والمدفع لن نستطيع أن نبني منزلاً أو نغرس شجرة. ويجب ألا نجفل من الكراهية التي تستغل في نفوس مئات الألوف من العرب الذين يحيطون بنا. ويجب أيضاً، أن لا ندير رؤوسنا بعيداً، حتى لا ترتعش أيدينا. إنه قدر لجيلنا أن يكون مسلحاً وعلى أهبة الاستعداد، وأن يكون قوياً وقاسياً، حتى لا يسقط السيف من أيدينا وتنتهي حياتنا"([11]). ويقول ديان في مناسبة أخرى: " إن علينا أن نرى الواقع كما هو. فكل ما نجحت حركتنا الوطنية (الصهيونية) في الحصول عليه منذ قيامها، في محاولات لا تنتهي من التفاهم والتفاوض وعقد الاتفاقات مع العرب، يتلخص جميعه، في الحقائق التي فرضناها رغم إرادتهم"([12]).

وفي السياق ذاته، شرح رئيس الأركان  الإسرائيلي الأسبق دافيد اليعازر مغزى انتصارات إسرائيل على العرب بقوله: "ينبض فينا اليوم، إحساس بأن القوة هي أمر حتمي. لذلك أقسمنا أن نكون أقوياء ومسلحين، وقررنا أن لا نعتمد على فضل الكرماء، وأن لا نرهن وجودنا بموافقة الآخرين"([13]).

وكان المنظِّر الصهيوني موشيه طابنكين أكثر وضوحاً في شرحه المفارقة القائمة ما بين السلام المنشود في المنطقة والتفوق النوعي الإسرائيلي، إذ قال: "إن السلام الحقيقي معناه استيطان المناطق (المحتلة) سواء وافق العرب أم لم يوافقوا، تماماً كما حدث سابقاً... وإذا كان الاستيطان يحول دون السلام فإن مجرد وجودنا يحول دون السلام"([14]).

من خلال هذه الخلفية وضمن المنطق ذاته، يحاول بنيامين نتنياهو أن يسوق لأفكاره الشوفينية والعنصرية، متخذاً من المفهوم العام والغامض للأمن ذريعة يبرر من خلالها الاحتفاظ بكل أسباب القوة المتفوقة في شتى المجالات المشروعة وغير المشروعة، من أجل ممارسة سياسة الإخضاع والتوسع على حساب المحيط العربي. وخلافاً لكل الشواهد التاريخية والموضوعية، نجده يحاول إقناع المجتمع الدولي، بما يستحيل أن يقتنع به (لعلم هذا المجتمع المسبق بحقائق الأمور وخلفياتها) وهو أن إسرائيل مهددة باستمرار بالعدوان الخارجـي وأنها مضطرة للدفاع عن نفسها من خلال خوض صراع مستمر ضد العرب والمسلمـين من حدود باكستان وحتى أقاصي حدود المغرب، ولرفض كل فرص التسويات السلمية التي تنطوي على تراجع ذي أهمية عن بعض مكاسب حروبها واعتداءاتها ضد العرب والمسلمين.

 

 

3- الأداء السياسي في خدمة التفوق النوعي وبالعكس

يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل موشيه شاريت في مذكراته: "هذه الدولة ليست لديها أية التزامات تقلقها على المستوى الدولي، كما أنها لا تلقي بالاً للمشاكل الاقتصادية، أما مسألة الأمن فهي غير موجودة أساساً.. عليها أن تعيش على الروح المعنوية العالية لدى مواطنيها لتحافظ على المستوى المطلوب من التوتر. ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية، من الممكن، بل من الواجب أن تختلق الأخطار. وهكذا على إسرائيل أن تلجأ إلى أسلوب الاستفزاز ومن ثم الانتقام"([15])، والخلاصة التي نستنتجها من هذا الكلام هي أن العقل السياسي الإسرائيلي ما انفك يدمج ما بين ضرورتين حيويتين أساسيتين لاستمرار بقاء المشروع الصهيوني واقفاً على قدميه وهما: ضرورة التفوق النوعي عسكرياً واقتصادياً لتوفير عناصر الحماية من الأخطار الخارجية، وضرورة استمرار التوتر والإحساس الرهابي بالخطر المفترض لحماية الوحدة الداخلية لمجتمع تشكيلي فسيفسائي الانتماء العرقي والقومي والحضاري.

انسجاماً مع هذه القاعدة، يصبح افتعال التوتر وتصعيده والإبقاء على ظروفه وأسبابه، بمثابة سياسة ثابتة تحتل مركزاً هاماً جداً في سلم أولويات القادة الإسرائيليين، وهي تتقدم أحياناً، كما هي الحال مع القيادة السياسية المختلطة الشوفينية -الدينية بزعامة نتنياهو، على الكثير من المتطلبات الحيوية بالنسبة لأية دولة عادية. فإذا كان السلام هدفاً تسعى إليه أية دولة مسالمة، فإنه من المنظور الإسرائيلي يبدو بمثابة  الخطر الداهم الذي يهدد الحالة المعنوية والتوتر المطلوب لتحقيق التماسك الداخلي والأهداف الخارجية على حد سواء. فبعد هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948، كانت التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أنه لن يكون بمقدور العرب ولسنوات طويلة مقبلة، شن حرب ضد إسرائيل، وأن الخلافات العميقة التي نشبت بين الأنظمة العربية، بعد هزيمتها، تُبعد احتمال قيام حلف عسكري عربي موجه ضد إسرائيل. وفي هذا السياق، نقل الكاتب الإسرائيلي توم سيغيف أن بن غوريون اتخذ موقفاً متعنتاً في مفاوضات لوزان عام 1949 ورفض كل الوساطات الدولية، بما فيها وساطة الرئيس الأميركي هاري ترومان لتحقيق سلام دائم في المنطقة. وكان تفسير الأوساط الإسرائيلية لهذا التصرف في ذلك الحين هو أن بن غوريون كان يريد استغلال تفوقه وانتصاراته من أجل إحراز الغايتين الأساسيتين المعروفتين وهما: الحفاظ على التوتر الداخلي الذي يوفر تماسك المجتمع الأهلي وتفاعل حوافز التميُّز والامتياز، ثم الحفاظ على مبررات بقاء حزب مباي، في حينه، في السلطة.

والمتأمل في الواقع الراهن يُدرك أن الآلية ذاتها ما تزال سارية المفعول بالنسبة لنتنياهو، زعيم حزب الليكود، الذي يرفض شتى أنواع التسويات الجدية تحت ذرائع الأمن ودرء التهديدات المصطنعة أو المبالغ فيها. واللعبة نفسها يتم تطبيقها على شتى المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. فكيف يعقل أن إسرائيل النووية والمدججة بأكبر أنواع الأسلحة النوعية فتكاً وخطورة، تساوم على نسبة واحد في المائة زيادة أو نقصاناً مع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وعلى ترتيبات أمنية مجحفة وغير محقة مع لبنان، وعلى شروط تنتهك الحقوق الوطنية الشرعية لسوريا؟ وهل هناك تفسير لهذا السلوك، سوى الرغبة في استمرار أسباب الصراع، من منطلق الإحساس بالتفوق وعدم الحاجة للمساعدة الخارجية، من أجل تصفية حساباتها جملة وتفصيلاً مع العرب والبقاء في السلطة حتى القرن المقبل.

لقد لاحظ رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق شمعون بيريس الذي زار الولايات المتحدة في مطلع شهر أيار (مايو من هذا العام)، أن نتنياهو يتفاوض كما يبدو مع حكومته الإئتلافية المتطرفة المؤلفة من تكتل ليكود وأحزاب دينية ومع واشنطن. وقال: "أعتقد أن ليس أمامه أي خيار سوى التوصل إلى تسوية... لا يمكن أن نقبل الولايات المتحدة كوسيط نزيه ثم نتهمها بمحاولة الضغط علينا... لا يمكن أن نقول 11 أو 9 بالمائة تحقق الأمن و13 في المائة لا تحقق الأمن، لأنه إذا كان ذلك هو الوضع الحقيقي فلن يكون هناك سلام"([16]).

أما مستشار نتنياهو ديفيد بار غيلان فحاول التمويه على حقائق الأمور، من خلال الربط بين رفض إسرائيل القاطع للانسحاب من نسبة 13 في المائة من مناطق الضفة الغربية ومخاوفها من "أخطار الصواريخ السورية والعراقية والإيرانية" على حد قوله. وصرح بأن الانسحاب من هذه النسبة يجبر إسرائيل على ترك "مشارف جبلية تقيم عليها محطاتها للإنذار المبكر التي تحرسها من هجمات صاروخية من سوريا والعراق أو إيران"([17]). وقال بار إيلان لصحيفة الـ "واشنطن تايمز" إن الانسحاب من هذه المواقع "مستحيل" وأضاف أن انسحاباً إسرائيلياً من نسبة 6 في المائة من مناطق الضفة هو بدرجة أو بأخرى ممكن مع الاحتفاظ بأمن إسرائيل، والانسحاب من نسبة 9 في المائة "خطر ولكنه محتمل" وأية نسبة أكبر من هذا "خطرة للغاية"([18])!!

وفي حين جاء في افتتاحية الجيروزاليم بوست الإسرائيلية أن على الإسرائيليين مواجهة الحقيقة التاريخية كما هي، بعد مرور خمسين عاماً على قيام إسرائيل، والكف عن إنكار معاناة الآخرين وألمهم ورفضهم وغضبهم، رأى عضو الكنيست روني رفلين من حزب الليكود أنه من المفيد الآن أن يتعرف الجيل الشاب على الكارثة التي لحقت بالفلسطينييـن عام 1948، لكن شرط ألا يؤدي هذا الأمر إلى إضعاف التوازن المعنوي الإسرائيلي وزعزعة "الأسس الأخلاقية التي تقوم عليها الدولة"([19]).

وحذّر رفلين من مغبة الاعتراف بالمأساة الفلسطينية، إذ يجب ألا يوصل ذلك إلى الاعتراف بعدالة الموقف الفلسطيني. وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة هآرتس أن إسرائيل "بحاجة الآن إلى القوة الروحية لكي تحول نفسها من حركة قومية إلى أمة متحضرة ومتطورة". واعتبر أكثر من معلق أن على إسرائيل أن تغير خطابها السياسي وتكف عن استخدام الرموز السلبية لتوحيد شعبها، مثل استخدام الكارثة النازية. ولكن مثل هذه الانتقادات والمواقف لا تلقى أذناً صاغية من قبل القيادات اليمينية الشابة، التي ترى زعامتها في رفع لواء تجديد الصهيونية وانبعاثها وبناء دولة إسرائيل الثانية على قاعدة إذكاء التوتر واستغلال القدرات النوعية الهائلة لدى الشعب اليهودي.

 

4- ذروة الاستغلال والانتهازية

لقد استغلت إسرائيل، بصورة متواصلة وعلى مدى وجودها، خطاباً سياسياً مبهماً شأن نواياها "السلمية" مع محيطها العربي والإسلامي. وقد ثبتت الزعامات الصهيونية في هذا المجال قوانين لعبة شيطانية تقضي بأنها كلما أقدمت على "خطوة سلام" ولو في الظاهر مع العرب كان لزاماً على الإدارات الأميركية أن تكافئها بمزيد من التفوق النوعي، تلبية لزعمها أن هذا من شأنه فقط أن يحصّن ويصون "خطوة السلام" التي تم التوصل إليها. ولكن في الوقت ذاته كان هناك سؤال عملي مرافق لهذه الآلية وهو التفوق النوعي ضد من؟ وما هي ماهية التهديد الذي تتعرض له إسرائيل في ظل متغيرات سياسية دائمة؟ وهنا تجدر الإشارة مثلاً إلى أنه من المؤسف القول إن إحدى نتائج احتلال العراق للكويت عام 1990 وما رافقه من إطلاق صواريخ أرض-أرض عراقية قابلة التأثير على المدن الإسرائيلية، هي انتهاز إسرائيل لهذه الفرصة بأسلوب دعائي محكم لتعميق مفهوم توسيع دائرة التهديد لها من الدول العربية في العقل الستراتيجي الأميركي خاصة والغربي عامة، مع ما يستتبع ذلك من فتح مزيد من فرص الابتزاز العسكري والسياسي والدبلوماسي والأمني أمام القيادات الصهيونية لأميركا وسائر دول العالم الموضوعة تحت الاتهام.

وتجدر الإشارة إلى أن القيادات الإسرائيلية جميعاً كانت تستخدم خطاباً سياسياً يزعم الرغبة في السلام والمصالحة كأسلوب تكتيكي لاسترداد العطف والدعم المالي والسياسي والعسكري، في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. وقد اعترف صديق هام لإسرائيل من وزن وزير الخارجية الأسبق هنري كيسينجر بتفضيل إسرائيل للتوسع الجغرافي وإحراز التفوق النوعي على أية أهداف أخرى. وقد كتب عام 1992 يقول: "لقد تبنت إسرائيل المماطلة كأفضل ستراتيجية. وسجل بن غوريون في يومياته ملاحظة للدبلوماسي الإسرائيلي أبا ايبان جاء فيها: إن الهدنة تكفينا فإذا سعينا وراء السلام سيطالبنا العرب بثمن يشمل الحدود أو اللاجئين أو كليهما"([20]).

وكانت إدارة أيزنهاور تشعر بالقلق من ولع إسرائيل الشبق بتكديس الأسلحة والرغبة الجامحة في القتال، إلى حد أنها أنذرتها علناً مطالبة إياها بضرورة "التخلي عن موقف الغازي المنتصر وعن الاعتقاد بان القوة وسياسة القتل بقصد الانتقام هي السياسة الوحيدة التي سيفهمها جيرانكم. ويجب أن تنسجم أفعالكم مع كلامكم المتكرر عن الرغبة في السلام"([21]). وقد سجل كيسينجر في هذا السياق أيضاً الملاحظة الهامة التالية: "أطالب رابين بتقديم تنازلات فيقول إن إسرائيل ضعيفة إلى حد أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك. وعندما أقدم له أسلحة يقول إنه ليس مضطراً لتقديم تنازلات لأن إسرائيل قوية".([22]) وقد سببت الجهود المضنية التي بذلها الرئيس كارتر لتحقيق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية نزاعاً دائماً بينه وبين إسرائيل. ومعلوم أن هذه الأخيرة لم تقر المعاهدة إلا بعد أن وافقت كل من مصر والولايات المتحدة مبدئياً على تجاهل الفلسطينيين، ووعدتها واشنطن بمساعدات مالية وعسكرية تصل قيمتها إلى ثلاثة ملايين إلى جانب المساعدة السنوية العادية التي تبلغ مليوني دولار. ويقول كيسينجر عن رابين: "لو سلمت له القيادة الستراتيجية الجوية كلها في الولايات المتحدة كهدية، لكان أولاً تظاهر بأن إسرائيل حصلت أخيراً على حقها، ولكن وجد بعض العيـوب الفنية في الطائرات بحيث يبدو قبوله لها وكأنه تنازل بعد تردد"([23]).

 

جدول رقم 1

سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه التفوق النوعي الإسرائيلي([24])

 

التوازن

أسلوب التنفيذ

الإدارة الأميركية

ضد كل الدول العربية مجتمعة

إمداد إسرائيل بتفوق في المنصات العسكرية*

1- إدارة نيكسون    الحفاظ على التوازن

ضد كل الدول العربية مجتمعة

إمداد إسرائيل بمنصات عسكرية متفوقة نوعياً

2- إدارة فورد    الحفاظ على التوازن

ضد كل الدول العربية ويمكن أن تتسع لتشمل منطقة الشرق الأوسط كلها

إمداد إسرائيل بمنصات عسكرية متقدمة ست سنوات

3- إدارة كارتر    توازن مع ضمان تفوق

ضد الخصوم المحتملين فقط (حتى مع السعودية ضمناً)

إمداد إسرائيل بمنصات عسكرية متقدمة ثلاث سنوات مع البدء بنقل التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية وفتح المجال أمامها في سوق السلاح الأميركي

4- إدارة ريغان

ضد المعتدين المحتملين (ما خلا السعودية هنا)

لا تغيير في نوع منصات الإطلاق العسكرية ولكن ضمان تفوق البنية العسكرية الإسرائيلية عن طريق تكامل الأنظمة الإسرائيلية النوعية مع المساعدات العسكرية الأميركية

5- إدارة بوش

 

 

*- تعبير المنصة العسكريةPLATFORM هو تعبير مطاط ويغطي كافة وسائل إطلاق النيران أو الإمداد بالمواد العسكرية. فالطائرة منصة لإلقاء القنابل وإطلاق صواريخ جو-جو وصواريخ جو-أرض، والطوافات منصة إطلاق صواريخ والقطع البحرية منصات لإطلاق قذائف الأعماق والصواريخ سطح-سطح والمدفعية والدبابات وعربات نقل الجنود المدرعة وعربات نشر الألغام وكذلك طائرات التزويد بالوقود وسواها منصات إمداد. وبالتالي فالمصطلح مطاط ويمكن أن يغطي أية منظومة سلاح والمستثنى فقط عربات الإسعاف والمطابخ الميدانية.

 

5- علاقة تعاونية مشوهة وكوارث

إن تطور علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، بوجه عام، وزيادة تدفق المعونات الأميركية على الكيان الصهيوني، بشكل خاص، جاءا نتيجة لالتزام أميركا بأمن إسرائيل ووجودها وتفوقها من جهة، ولتصاعد الضغوط الإسرائيلية على رجال الكونغرس وكبار رجال الدولة في واشنطن من جهة ثانية. وبسبب حاجة إسرائيل الماسة إلى المعونات الأميركية وحاجة أميركا إلى أداة عسكرية قمعية قادرة على المساهمة في تنفيذ ستراتيجيتها الدولية، وخاصة تجاه العالمين العربي والإسلامي، اندفعت الدولتان إلى إقامة علاقات تعاونية وطيدة تبادلتا من خلالها المصالح والخدمات. ومن أجل زيادة نفوذها داخل أروقة الكونغرس وأجهزة الحكومة الأميركية، قامت إسرائيل بإبداء استعدادها للدفاع عن المصالح الأميركية في مختلف أنحاء العالم.

وبعد انسحاب القوات الأميركية من جنوبي شرقي آسيا وانسحاب بريطانيا من منطقة الخليج وسقوط نظام الشاه في إيران، أصبحت الظروف الدولية مؤاتية لقيام زعماء الحركة الصهيونية بالادعاء بأن إسرائيل هي الحليف الأميركي الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في منطقة الشرق الأوسط.

وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز([25]) عام 1981 دور إسرائيل كأداة من أدوات أميركا على الساحة الدولية. فقد جاء في مقال البروفسور بنجامين بيت هلاحمي أنه "في كل بقعة من العالم الثالث حيث كثرت القلاقل، كانت إسرائيل متورطة من خلال بيع الأسلحة وإرسال الجنود لحماية المصالح الأميركية والدفاع عن الغرب. وفي كل دول العالم الثالث التي تدخلت إسرائيل في شؤونها ، نجحت إسرائيل من خلال استخدام القوة، في كسر شوكة القوى الوطنية التحررية... إن ما يعتبره الأميركيون والأوروبيون عملاً قذراً يعتبره الإسرائيليون عملاً دفاعياً مبرراً وأحياناً استجابة لهذا الواجب... إن دور البوليس الدولي يعتبر دوراً مغرياً بالنسبة إلى غالبية الإسرائيليين، وإنهم على استعداد للقيام به مقابل مكافأة مادية مغرية".

ومع حلول السبعينات، أخذت المعونات الأميركية بشقيها الاقتصادي والعسكري، تتزايد بسرعة، بينما كان نفوذ اللوبي اليهودي يزداد قوة ورسوخاً. وهكذا زادت قدرة إسرائيل على التأثير في القرار السياسي الأميركي، كما أصبح الأميركيون أكثر تأثّراً بالدعاية الإسرائيلية وأكثر ميلاً إلى تصديق وجهة نظرها تجاه تطورات الصراع مع العرب. وفي الوقت ذاته، تزايد نفوذ الليكود والقوى اليمينية المتطرفة منذ مجيء مناحيم بيغن للحكم عام 1977. وقد أدى التحالف الأميركي_الإسرائيلي إلى إهمال قرارات الأمم المتحدة في شأن القضية الفلسطينية وقضية الأراضي المحتلة عام 1967، مما شجع إسرائيل أكثر فأكثر على العبث بمستقبل الدول والشعوب العربية من دون خوف أو رادع. وأدى إحساس إسرائيل بالتفوق النوعي إلى توسيع دائرة الاهتمام الستراتيجي الحيوي، حسب نظرية شارون، بحيث أصبح بإمكانها غزو لبنان عام 1978 واحتلال عاصمته بيروت عام 1982 وتدمير المفاعل النووي العراقي بالقرب من بغداد وضم الجولان العام 1981. وفي عام 1985، قامت بإرسال طائراتها للاعتداء على تونس وتدمير مقر منظمة التحرير. وفي المقابل، برز نوع جديد من المقاومة داخل فلسطين ولبنان، مما أدى إلى إلحاق سلسلة من الهزائم العسكرية والأمنية والمعنوية وبالتالي السياسة بإسرائيل، منذ بداية الانسحاب من لبنان عام 1985 ووصولاً إلى فشل عمليتي تصفية الحساب عام 1993 وعناقيد الغضب عام 1996، الأمر الذي زاد من حجم التعقيدات القائمة بوجه أية فرص للتوصل إلى حلول سياسية شاملة بين العرب والإسرائيليين. والذي شجع إسرائيل أكثر فأكثر هو أن الإدارة الأميركية منحتها عام 1983، أثناء غزو لبنان وإلحاق قدر كبير من الدمار بالعديد من مدنه وقراه، أكبر معونة اقتصادية وعسكرية خلال تاريخها السابق. ومنذ بداية الثمانينات، بدأ التعاون الستراتيجي بين أميركا وإسرائيل يأخذ أشكالاً وصوراً متعددة استهدفت مساعدة الدولة العبرية على تنفيذ برامجها السياسية والعسكرية العدوانية والتوسعية تجاه البلاد العربية. وفي عام 1986، أدخلت الحكومة الأميركية إسرائيل ضمن مجموعة دول الحلفاء التي يُسمح لها بالمشاركة في أبحاث برنامج حرب النجوم، كما منحت عام 1987 مكانة "حليف رئيسي غير عضو في حلف الناتو"([26]). وهكذا تم عقد معاهدة التعاون الستراتيجي الأميركي_الإسرائيلي أثناء ولاية الرئيس ريغان وحصلت إسرائيل بموجبها على معونات وتأييد دبلوماسي أميركي في الساحة الدولية وحرية عمل على ساحة أميركا الداخلية.

ولم تكتفِ إسرائيل بما قُدِّم لها بصورة رسمية في إطار الحرص على تفوقها النوعي، بل إنها لجأت إلى أساليب التجسس والخداع والمواربة لتحصيل المزيد من المعلومات عن الصناعة السرية العسكرية، وهي أمور تم الكشف عن بعض تفاصيلها في كتاب "عن طريق الخداع" لفكتور أوستروفسكي وكتاب "خيار شمشون" لسيمور هيرش وسواهما. وقصة الجاسوس جوناثان بولارد وزوجته كانت بمثابة الذروة في هذا المسلسل الطويل الذي قال عنه وزير الدفاع الأميركي الأسبق كسبار واينبرغر "يصعب علي... أن أتصور ضرراً أكبر من ذلك الضرر، الذي سببه المتهم، للأمن القومي، نظراً لسعة المعلومات التي باعها لإسرائيل. وكانت السرقات كبيرة إلى حد أن كلفة تصحيح الأنظمة وتعطيل العمليات التي كشف عنها قُدِّرت بمبلغ يتراوح بين 300و400 مليون دولار"([27]).

وعلى الرغم من كل هذه الإساءات والمساوئ، بقيت الولايات المتحدة تعتبر أن إسرائيل كنزاً ستراتيجياً ومسألة تمس الأمن القومي الأميركي بصورة خاصة وأمن العالم الرأسمالي عامة، بحيث نشأت علاقة مستوى جديد وخاص جداً بين طرف لا تعوزه الموارد وآخر لا يمل الإلحاح في الطلب.

إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تعلن تباعاً عن التزامها بأمن إسرائيل وتفوقها النوعي، ومع ذلك كانت تسعى لربط ذلك ولو بصورة نسبية بضرورة موافقة إسرائيل على الانخراط في عمليات ومشاريع التسوية الإقليمية التي كانت تشكل نوعاً من الكابوس المخيف على أكثر القيادات الصهيونية. ونحن نتذكر في هذا المجال تهرب رئيس الحكومة الإسرائيلي اسحق شامير من حضور مؤتمر مدريد، وتصريحه الشهير بأنه لن يدخل المفاوضات سوى بصورة شكلية قد تستمر أكثر من عشر سنوات دون جدوى.

كذلك، ومع دخول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بيل كلينتون بعد إدارة الرئيس جورج بوش، وبعد سقوط شامير ومجيء اسحق رابين في إسرائيل، تمّ استئناف "الحوار الأمني" بين تل أبيب وواشنطن. ومنذ الأسابيع الأولى للإدارة الأميركية الجديدة، تمت مطالبة رابين بالقيام بتنازلات من أجل الحصول على تكنولوجيا متطورة ومن أجل الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.

ومع بداية جولات وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر في المنطقة، شعر رابين بجدية الموقف الأميركي، وأن هناك قرارات صعبة مطلوبة منه للوصول إلى حل، فسارع لترتيب لقاء مع الرئيس كلينتون لتوثيق العلاقات الثنائية ولرسم حدود التنازلات التي سيكون بوسع إسرائيل التفكير بها، مع ما سيتبع ذلك من ابتزاز مالي وعسكري يزيد من الفجوة النوعية بين إسرائيل والعرب. وفي أعقاب لقاء الرجلين بتاريخ 18/3/1993، قال الرئيس كلينتون: "إن رئيس الحكومة الإسرائيلية رابين كان مقاتلاً حقيقياً واصبح في نظرنا الآن بطلاً، يقوم بما يستطيع، ويتحمل الأخطار الكبيرة لدفع السلام، وهذه تعتبر بداية طيبة"([28]). وعلى الأثر، سارعت الإدارة الأميركية إلى إرسال مجموعة من طائرات F18 إلى إسرائيل قبل نهاية زيارة رابين، وقُدِّرت قيمة تلك الطائرات بمبلغ 2 مليار دولار دُفعت من المساعدات الخارجية الأميركية([29]). ثم تسلم سلاح الجو الإسرائيلي 24 مروحية من طراز أباشي في ربيع عام 1993، كمساعدات عسكرية لقاء عدم تدخل إسرائيل في حرب الخليج الثانية([30]). وكشف رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، زعيم حزب العمل الحالي ايهود باراك، أن هذا التسليم حصل بصورة سرية في اليوم نفسه الذي تم فيه توقيع اتفاق المبادئ في واشنطن بتاريخ 13/9/1993.

وفي أواخر العام 1993، قام رابين بزيارة أخرى لواشنطن فاستقبله الرئيس كلينتون بحفاوة بالغة، ووافق على تزويد إسرائيل بأسلحة وطائرات جديدة وعلى منح الإسرائيليين الحاسبات الإلكترونية المتطورة "سوبر كومبيوتر" وعشرين طائرة من طراز إف-15 إيغل كلفة كل واحدة منها 85 مليون دولار وعشرات الطائرات من طراز إف-16 من فائض سلاح الجو الأميركي.

ومعلوم أن هذه المساعدات وسواها شكلت البنية التحتية لستراتيجية التوسع والعدوان الصهيونية، التي تمثلت في الاعتداء على لبنان عامي 1993و1996، وفي زيادة وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة، وفي زيادة المعاندة للحلول السياسية وزيادة التسويف والمماطلة وكسب الوقت، في انتظار حصول متغيرات إقليمية ودولية مناسبة. وفي هذا السياق لا يمكننا أن ننسى المقال الهام الذي كتبه الصحافي الإسرائيلي المعروف آرييه شافيت في الملحق الأسبوعي لصحيفة هآرتس([31]) بتاريخ 10/6/1996 على إثر مجزرة قانا الرهيبة التي ارتكبها الإسرائيليون عن سابق تصور وتصميم ضد المدنيين الأبرياء العزل من المواطنين الجنوبيين اللبنانيين، الذين حاولوا الاحتماء بأحد مراكز القوات الدولية أثناء عملية "عناقيد الغضب" التي شنها رئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيريس الذي يقال عنه بأنه يتزعم خط الاعتدال السياسي في الكيان العبري. والمقال المقصود يلخص خلفية نزعة الغطرسة والاستخفاف بأرواح الناس وحقوقهم التي يتّصف بها قادة الصهيونية السابقون واللاحقون لأنهم يشربون من نبع فكري وإيديولوجي واحد يعتبر اليهود شعب الله المختار وسائر البشر عبيداً مسخرين لخدمتهم. وهكذا يتساءل شافيت: "كيف قتلناهم من دون أن نذرف دمعة واحدة، ومن دون أن نشكل لجنة تحقيق، ومن دون أن نملأ الشوارع بالتظاهرات؟

 

يبدو أننا تقدمنا في السن كثيراً إلى درجة أننا بتنا نطلق النار من دون أن نبكي. لقد قتلناهم بفاعلية كبرى وكنا واثقين من أننا نعمل استناداً إلى حسابات باردة ودوافع عملية". والجميع يعلم أن دوافع بيريس كانت دوافع سياسية مفضوحة هدفها إقناع الرأي العام الإسرائيلي الداخلي بأدائه العسكري الحسن، سيما بعد أن أثبتت الإحصاءات أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين تتجه نحو التطرف والعدوانية وأنها تفضل الشخصية القيادية الأكثر عنفاً ودموية. ولهذا يضيف شافيت: "إن ما جعلنا نصل إلى مثل هذه القرارات الدنيئة من دون أن نعتبر أنفسنا أوغاداً، هو أنهم بالنسبة لنا غير موجودين بالذات. لم نكن نعرف أننا سنقتل بالذات أُمّاً في النبطية وأطفالها السبعة الذين دفنوا معها تحت أنقاض منزلهم. ولم نكن نعرف أننا سنقتل زينا جحا (ابنة العاشرة) وحنان جحا (ابنة الثالثة) ومريم جحا (ابنة الشهرين) اللواتي كنّ في المقعد الخلفي لسيارة الإسعاف التي كان والدهن يحاول أن ينقذهن بواسطتها من القصف الذي تتعرض له القرية... لقد قتلناهم لأن الفارق الشاسع بين الطابع المهم إلى حد القداسة الذي نوليه لأرواحنا وبين الطابع القليل الأهمية لأرواحهم سمح لنا بقتلهم"([32]).

ثم يكشف شافيت بكل جرأة ووضوح حقيقة المحفزات والدوافع الكامنة وراء الأداء السياسي الإسرائيلي المتناقض مع جميع قواعد ومتطلبات الحق والعدالة الإنسانية، من دون فرق بين يمين ويسار في السلطة الإسرائيلية، وهذه المحفزات تكمن في الإحساس المرضي بالقوة الغاشمة وبالقدرة الهائلة على التدمير والتخريب وخداع الرأي العام. ولا فرق في هذا المجال بين مجازر دير ياسين وقبيه وصبرا وشاتيلا وبين مجازر قانا والمنصوري والنبطية وسواها.

يقول شافيت: "إننا مقتنعون إلى درجة لا تقبل الشك بأن حياة الآخرين ليست بالأهمية التي نوليها لحياتنا، ما دام البيت الأبيض ومجلس الشيوخ وصحيفة نيويورك تايمز طوع بناننا. ونحن نؤمن إيماناً مطلقاً أنه ما دام لدينا ايباك (اللوبي اليهودي الرسمي في أميركا) وبرونغمان (رئيس المؤتمر اليهودي العالمي) ورابطة الدفاع اليهودية وديمونا (المفاعل النووي) ويادفاشيم (نصب ضحايا المحرقة النازية) ومتحف المحرقة، فمن حقنا أن نبلغ 400ألف شخص أن أمامهم ثماني ساعات لإخلاء منازلهم، ومن حقنا أن نتعامل مع منازلهم بعد انقضاء الساعات الثماني كأهداف عسكرية، ومن حقنا أن نلقي ست آلاف قذيفة على المناطق الآهلة والقرى والبلدات، ومن حقنا أن نقتلهم من دون أن نشعر بأي ذنب... لقد أصبحت قانا جزءاً من سيرتنا الذاتية على غرار قبيه، قرية (عز الدين) القسام وعلى غرار صبرا وشاتيلا. إن قرية قانا هي اليوم جزء منا"([33]). ويختم شافيت: "وكما أن مجزرة باروخ غولدشتاين (في الحرم الإبراهيمي) وجريمة (يغال) عمير (قاتل اسحق رابين) هما التعبير الأكثر فظاظة عن نوع من بذرة فساد زرعت في الثقافة الدينية القومية، فإن مجزرة قرية قانا هي تعبير فاضح عن نوع بذرة فاسدة مزروعة في الثقافة العلمانية الإسرائيلية، ثقافة الوصولية الإسرائيلية الكاسحة وثقافة القوي في تمحوره على ذاته... والميل إلى عدم المطالبة بإحقاق الحق والى عدم قول الحقيقة"([34]).

 

6- جدلية التفوق وعيوب السقوط في أوهام القوة

ينطلق جميع الإسرائيليين، إلى أي فريق سياسي انتموا، من نقطة مشتركة واحدة وهي الاستعداد المستمر للحرب، وما يتطلبه ذلك من الحفاظ على عدم التوازن في معادلة القوة الإسرائيلية العربية لصالح الطرف الأول. والقوى الإسرائيلية المؤتلفة في السلطة الحالية، الصهيونية القومية والدينية، تلتف حول فكرة أساسية وحيوية وهي فكرة عدم اعتبار السلام كنهاية للصراع بل مرحلة جديدة من مراحله. ولهذا فهي لا تتفهم محتوى السلام، باعتبار أن تحقيقه يلغي أو يقلل من أهمية عناصر معادلة القوة. ولعل الجدل العميق والمحتدم في إسرائيل، منذ اغتيال اسحق رابين بشكل خاص، يعكس بعض جوانب هذه الرواية إلى موضوعة السلام. فالتسوية في نظر الفريق الحاكم حالياً ليست هدفاً بحد ذاتها وإنما هي لو حصلت، مجرد وسيلة للحفاظ على استقرار معادلة القوة الإسرائيلية المتفوقة، أو ما يضعه الإسرائيليون تحت مصطلح "متطلبات الأمن الإسرائيلي". فالأمن بمفهومه الإسرائيلي الخاص والمميز سيظل، كما يعلن نتنياهو باستمرار، الموجه (الدافع أو الكابح) لحركة إسرائيل السياسية. وقد حدد وزير الخارجية الأسبق آبا إيبان منذ نهاية عام 1973 طبيعة السلام الذي تسعى إليه إسرائيل، عندما قال: "إن السلام الذي تريده إسرائيل هو بناء مكون من أربعة طوابق: الطابق الأسفل (الأساس) هو الأمن، والثاني اتفاقية سلام، والثالث تبادل سفارات، والرابع حركة متبادلة مع إقامة علاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية مع البلاد العربية"([35]). وفي عام 1989، أعلن رئيس الوزراء اسحق شامير: "إننا على استعداد لإعطاء العرب سلطة ذاتية، وهذا هو الحد الأقصى الذي يتلاءم مع الحاجات الأمنية لإسرائيل"([36]). وقد لاحظ الكاتب الإسرائيلي يوئيل ماركوس أن هناك نوعاً من لعبة صقور وحمائم متفق عليها بين التكتلين الكبيرين في إسرائيل، حيث أنهما يتفقان على رفض معظم القضايا التي تشكل مدخلاً حقيقياً إلى السلام، وتساوي بين الفريقين. وقد كتب ماركوس: "عندما تنظر بعين فاحصة إلى كلا الحزبين الكبيرين، ماذا ترى؟ ترى أن هناك إجماعاً غريباً ما بينهما حول مختلف المجالات". أما على المستوى الجماهيري، فإن المزاج الشعبي في إسرائيل يبدو أكثر ميلاً إلى اليمين المتطرف، وهذا عائد إلى كساد فكرة السلام في الثقافة السياسية الإسرائيلية، أوَّلاً لانتفاء الرغبة، وثانياً لانتفاء الحاجة. فالإسرائيلي المعاصر لا يرغب مطلقاً في التصالح أو الاندماج مع مجتمع يراه متخلفاً وبدائياً، ويُسقط عليه كل الصفات السلبية، وصولاً إلى تصويره بالعدو النمطي النموذجي. وبالتالي فالإسرائيلي لا يشعر بأية حاجة ماسة للتصالح مع هذا المحيط ما دام قادراً على أن يفرض نفسه عليه بالقوة، وما دام هذا المحيط عاجزاً عن إلحاق الأذى الفعلي والمؤثر بالإسرائيلي إلى حد إرغامه على التفكير في التصالح مع محيطه تفادياً للمخاطر المتوقعة والمترتبة على استمرار الصراع معه. وتظل عناصر هذا الموقف السلبي مع السلام ثابتة بثبات معادلة القوة التي تشكل الركيزة الأساسية للثقافة السياسية الإسرائيلية، مما يعني أن أي تبدل في عناصر معادلة القوة يمكن أن يؤدي إلى تبدل موازٍ في الموقف الشعبي والرسمي الإسرائيلي من موضوعة السلام. ومن الممكن العثور على العديد من الشواهد على أن رؤية الإسرائيليين إلى أهمية أو عدم أهمية السلام مع العرب، كانت ولا تزال نابعة من تقديرهم لموازين القوى بينهم وبين محيطهم العربي والإسلامي، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن سعي الإسرائيليين للسلام، إلى أي فريق سياسي انتموا، إنما يتناسب طرداً أو عكساً مع إحساسهم بالقوة والضعف.

ففي أعقاب هزيمة العرب في حزيران/يونيو 1967، ازدادت بفعل نشوة النصر، النزعة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وطالبت معظم القوى الشعبية والأحزاب السياسية بعدم الانسحاب من الأراضي التي احتُلت في الحرب. ووصلت ذروة هذه الموجة من التطرف والعنفوان الشوفيني في عام 1977 عندما سقط حزب العمل للمرة الأولى بعد ثلاثين عاماً من السلطة وفاز مناحيم بيغن في ظل شعارات الأمن والثقة بالنفس. وقد انحسرت هذه الموجة نسبياً مع اندلاع الانتفاضة ومع الفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل في حربها على لبنان عام 1982 بعد انطلاق المقاومة الوطنية والإسلامية التي حجمت أحلام الإمبراطورية الصهيونية ودفعتها إلى التفكير مرتين قبل أن تُقدم على أية خطوة جديدة للعدوان والتوسع. وقد عبر العميد عوزي نركيس عن التحولات الحاصلة في معنويات الإسرائيليين منذ أن تصاعدت حرب الاستنزاف في مطلع السبعينات، إذ قال: "إن رقاص المعنويات هو بدون شك، أكبر مصيبة حلت بنا بعد حرب الأيام الستة... وما هو أخطر منها هو تلك الآراء والهمسات حول ما إذا كنا نملك القوة الكافية لإنزال هزيمة أخرى بالعدو إذا ما حدثت مجابهة جديدة... لقد وصلت الأمور إلى حد أن فئات عديدة من شعبنا أصبحت تحتاج إلى حقن متواصل من مقوي التشجيع المعنوي، حتى لا يصاب إيمانها بقوتنا العسكرية بهبوط مفاجئ أو بنوبة قاتلة... ويبدو أننا بحاجة إلى التأكيد الأسبوعي أن الفارق بين قوتنا وقوة العدو ما زال كما هو لم يتبدل"([37]).

في المقابل، كشفت حرب تشرين الأول (أكتوبر) أن معادلة القوة التي كرستها إسرائيل وحافظت عليها، قابلة للتغير والاختلال لغير صالحها. ولعل هذا الاستنتاج كان أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل من نتائج الحرب ذاتها. ولذلك كان على إسرائيل أن تسارع إلى إعادة صياغة معادلة القوة بالشكل الذي يضمن لها التفوق النسبي السابق لحرب عام 1973، وذلك عن طريق السعي لإخراج أكبر قوة عربية من ميدان الصراع حتى لو اضُطرّت إلى دفع الثمن المطلوب، مما يؤمن لها استعادة القوة في مواجهة الأطراف العربية المتبقية في ميدان الصراع، مع ما يعنيه ذلك من احتفاظها ببقية مكتسبات الحروب السابقة ومن قدرة واسعة على الحركة والمناورة. فليس المطلوب هو السلام الحقيقي ولا التسويات الشاملة، بل مجرد "وسيلة"، حسب ما عبر عن ذلك بن غوريون بقوله: "إن الاتفاق مع العرب لا يستهدف إحلال السلام، فالسلام حقاً أمر حيوي بالنسبة إلينا، لأنه لا يُمكن بناء البلاد في وضع من الحرب الدائمة، ولكن السلام، بالنسبة إلينا، هو وسيلة، أما الهدف فهو التحقيق التام للصهيونية ولأجل هذا نحتاج فقط إلى اتفاقية"([38]). وفي حقبة بن غوريون أيضاً، كتب مندوب الولايات المتحدة إلى مفاوضات الصلح في لوزان عام 1949، مارك ارتريج، رسالة إلى الرئيس الأميركي هاري ترومان يقول فيها: "إن إسرائيل تتجه نحو إرساء مستقبلها على أمنها العسكري بالتخلي عن فرصة رائعة للتوصل إلى اتفاق سلام"([39]). وفي شهر آب من العام نفسه، قدّر وزير الخارجية الأميركية أتشيسون أنه لم يعد هناك أساس لحل وسط. وقال لسفراء بلده في الشرق الأوسط: "إن إسرائيل قررت نهائياً تفضيل الوضع الراهن"([40]).

ومعلوم أن إسرائيل تناور بشأن القرارات الدولية جميعاً، وخاصة القرار 242و425. فبالنسبة للقرار الأول، أحبطت في حينه مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام رودجرز بسبب إحساسها الزائد بالقوة والتفوق العسكري على العرب، ولذلك قالت رئيسة الحكومة غولدامئير: "علينا أن نُعوِّد أنفسنا على البقاء في المناطق لسنوات عديدة فالحدود هي أفضل، الآن، مما كانت عليه في الماضي عندما كانت تحرسها الأمم المتحدة"([41]).

وكان موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أكثر وضوحاً حين قال: "سنمتلك نحن الأرض من سكانها الحاليين، بالضرورة، ولن يوافق العرب على أفعالنا. فإذا كنا نريد الاستمرار في عملنا لتكوين أرض إسرائيل ضد إرادتهم فلا مخرج إلا بقتالهم، ويبقى مصيرنا مرتبطاً بالبقاء في حالة حرب مستمرة مع العرب"([42]). وحتى اليوم، ما تزال إسرائيل تلعب على موازين القوى التي تعمل في نظرها لصالحها على الجبهة الفلسطينية، فتعطل كل محاولة جديدة للوصول إلى تسوية حتى لو كانت مجحفة بحق الفلسطينيين، كما وتعمل على تحدي المجتمعات الدولية بأكملها، وخاصة المجتمع الأميركي الذي قدم لها من المساعدات والدعم ما لم يقدمه لأية جهة أخرى في العالم. أما بالنسبة للقرار 425، فالمعلوم أن إسرائيل تنكرت له في البداية واعتبرته غير موجود في بعض الأحيان، ولكنها عندما شعرت أن ميزان خسائرها في الشريط الحدودي المحتل من جنوب لبنان لا يعمل لصالحها، إذ بها تعيد النظر في حساباتها وبالتالي تعيد الاعتبار للقرار الدولي، ولكن بأسلوب المراوغة والنفاق السياسي والدبلوماسي. وهذا ما لخصه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في كلمته التي ألقاها أمام نادي الصحافة الوطني في واشنطن بقوله: "إن النصر في حرب الأيام الستة، جعل هزيمة إسرائيل، الهزيمة المادية لإسرائيل، عملاً مستحيلاً فعلاً. فقد جعل معاهدة السلام مع مصر ممكنة، ومعاهدة السلام مع الأردن ممكنة، وجعل السلام مع الفلسطينيين ممكناً، وسيجعل السلام مع سوريا ولبنان ممكناً كذلك، لأن إسرائيل التي لا تُقهر ولا تُغلب هي إسرائيل التي يصنع العرب سلاماً معها. ففي غياب خيار حرب ذات صدقية، يبقى خيار السلام. وحده على الطاولة. وأعتقد أن هذا ما قاد الحكومات الإسرائيلية المتتالية وصولاً إلى أوسلو، لكنه حتماً يقود سياستنا اليوم"([43]).

ومن هنا يتبين لنا أن السلام الإسرائيلي ما هو سوى الاستسلام العربي الذليل، وأن أية تجارب تصالحية جزئية أو منفردة إنما تجسد في واقع الأمر لحظات انكسار لمعادلة تفوُّق القوة الإسرائيلية أو اختلالها النسبي لغير صالح إسرائيل. ولهذا فإسرائيل لا تخطو أية خطوة "سلمية" إلا مكرهة لتفادي ما هو أسوأ منها، وإلا فخيارها الأساسي هو الحرب وإثارة الفتن والتفرقة بين العرب. والسياق التاريخي للتجربة العربية مع إسرائيل كان باستمرار مجافياً لأية قيمة من القيم الإنسانية المطلقة، مثل السلام والحق. فالحـق مثلاً هو فقط حق اليهودي في "أرض الميعاد". و"حق العودة" و"الجنسية" مقصور على اليهودي في مختلف أصقاع الدنيا، ويُلغي حق أصحاب البلد الشرعيين.

ولكننا نستخلص مما تقدم أن معادلة القوة التي يتحدث عنها نتنياهو حالياً ما هي سـوى سلاح ذي حدين يمكن أن ينفع العرب أيضاً إذا أحسنوا استخدامه، حتى بالمستوى التكتيكي إذا فشلوا في استخدامه على المستوى الستراتيجي. وتجارب لبنان المريـرة بالنسبة لإسرائيل هي شاهد عملي وصادق على ذلك، فإسرائيل كانت وما تزال هي هي بمزاجها الشعبي العام، وبقواها السياسية الرسمية المنظمة، وبنخبها وقياداتها الحاكمة، أبعد ما تكون عن الاستجابة لمتطلبات التحول الإقليمي والدولي والسير في اتجاه السلام. وهي تتنكر اليوم وفي كل يوم، بفعل إحساسها بالقوة والتفوق النوعي، لكل مشاريع التسوية حتى تلك الموقعة رسمياً، الأمر الذي دفع الصحافي الإسرائيلي يوئيل ماركوس في صحيفة هآرتس إلى القول: "وسط هذا النشاط كله، تقف إسرائيل كالنصب التذكاري المصنوع من حجر البازلت، الذي لا يتنفس، ولا يفكر، وكأن عجلة الزمن قد توقفت عن الحركة"([44]).

 

7- العرب في مواجهة التفوق النوعي الإسرائيلي وإفرازاته

في الفكر الستراتيجي العربي، تختلف الآراء بشأن تأثير التفوق النوعي الإسرائيلي، وخاصة في المجال النووي وأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي يؤدي ذلك إلى اختلاف الأداء السياسي لهذه الدول تبعاً لمصالحها القطرية الذاتية وارتباطاتها وعوامل الضغط المحيطة بها. وفي هذا السياق، كانت، وللأسف الشديد، حقبة ما سُمِّي "بالهرولة العربية" للتزاحم عند الباب الإسرائيلي للحصول على مكاسب خاصة وذاتية في مجالي العقود الاقتصادية والأمنية، مما أدى إلى انفضاح نقاط التفسخ العربي واكتشاف مواطن الضعف والهشاشة في الموقف القومي العربي العام، وهذا ما تجلى في رواج فكرة أن الردع النووي الإسرائيلي كان أساساً في الإقلاع عن مقولة تدمير إسرائيل، بينما رأى بعض العرب الآخرين أن هذا الردع يبقى ثانوياً نظراً إلى أن هزيمة عام 1967 بالسلاح التقليدي كانت كافية لإسقاط هذه المقولة عملياً وميدانياً.

من هنا انقسم العرب إلى مغالين في النظر إلى الأخطار المستقبلية لقضية التفوق النوعي الإسرائيلي لتبرير "هرولتهم"، فيما طالب البعض الآخر بضرورة انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ورأى في تفوقها النووي تهديداً لأمن المنطقة، إلا أنه رأى في الوقت ذاته أنه ليس هناك ما يدعو إلى أن يُصاب التفكير السياسي والستراتيجي العربي بالشلل إزاءها. فالتفوق النوعي، والردع النووي، لا يُمكنهما أن يُلغيا خيار المقاومة والحرب المحدودة لتحرير الأراضي المحتلة، وذلك لعاملين أساسيين هما: القيود السياسية الدولية المفروضة على استخدام هذه الأسلحة، وخطورة استخدامها على الجبهات العربية المجاورة بسبب قصر المسافات جغرافياً، وبسبـب الأحوال الجوية التي يمكن أن تحمل خطر نقل الإشعاعات إلى إسرائيل نفسها. ومع أنه لا يُعرف شيء عن تطوير أسلحة نووية تكتيكية (قوة تدمير تتراوح بين 1و5 كيلوطن من مادة تي. إن. تي.) وألغام نووية أرضية، فإن إمكان استخدامها على الجبهات العربية المتاخمة مشكوك فيه طبعاً للاعتبارات السابقة([45]). ولا يغرب عن البال أن مصر وسوريا شنتا حرب عام 1973 على الرغم من إدراكهما قدرة إسرائيل النووية. يُضاف إلى ذلك أن الابتزاز النووي بتهديد الدول العربية بقصف مدنها ومنشآتها الحيوية بسبب حرب محدودة، لا يتمتع بصدقية فعالة خاصة بعد حيازة أغلب دول المنطقة صواريخ يمكن تزويدها بأسلحة كيميائية بوسعها أن توقع خسائر بشرية جسيمة لا طاقة للمجتمع الإسرائيلي على تحملها. وقد يُقال إن إسرائيل استفادت من ردعها النووي أثناء حرب الخليج الثانية لمنع العراق من استخدام أسلحته الكيميائية ضدها، لكن ذلك يبقى نظرياً باعتبار أن الولايات المتحدة كانت تُمسك وتقود الجهد السياسي والعسكري وهي لم تكن لتسمح بمثل هذا الاستخدام. مع ذلك فإن إسرائيل لا تزال تصر بمطالبها الخاصة بضمان تفوقها النوعي على محيطها بأكمله كبوليصة تأمين وكخيار أخير على طريقة خيار شمشون "عليَّ وعلى أعدائي"، في لحظة الخطر المميت.

على ضوء ما تقدم، يُمكننا أن نستخلص بأن العرب وإسرائيل لا يملكون في المستقبل سوى خيار التسوية الجزئية أو الكلية أو خيارات الحروب المحدودة، كما حصل في حروب الأعوام 1973و1978و1982و1983و1996.

أما المخططات شبه الستراتيجية، فهي المخططات التي جربتها إسرائيل في سياستها تجاه الطوق المحيط بالعالم العربي (تركيا-أثيوبيا-أريتريا). وهي شبه ستراتيجية لأنها محاولات لا تستند إلى ثوابت إنما تدخل في إطار اللعبة الإقليمية والدولية، وهي لعبة إحتمالية بدرجة كبيرة وتتعرض إلى جملة تحولات واهتزازات وتباينات تُبعدها عن التخطيط الستراتيجي الثابت والعملي الذي يحتاج إلى ركيزة بشرية واسعة ووزن اقتصادي عالمي وقدرة على العمل العسكري الحاسم والرادع. وهنا يُترك الدور الحاسم للسياسة حيث يتبين لنا المأزق الوجودي الإسرائيلي القائم حالياً على أرضية الجدل الداخلي في إسرائيل حول نهاية الصهيونية أو تجددها، وحول المسافة القائمة بين المشروع الصهيوني في صيغته الإيديولوجية النظرية والمشروع في مواجهة الأطر الواقعية الضاغطة والتي لا تترك أمام القيادة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بزعامة نتنياهو سوى خيار الهروب إلى الأمام، ومحاولة كسب الوقت مع ما يستتبع ذلك من ضرورة امتصاص النتائج السلبية على الصعيدين العسكري-الأمني والسياسي.

 

8- خلاصة

في الوضع الراهن، وإزاء السياسة السلبية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو، تجاه الفلسطينيين والعرب عامة، مستندة إلى قواها النوعية العسكرية المتفوقة وإلى دعم أميركي غير محدود في الأساس، وقابل للمراجعة في المرحلة القادمة، يتبيّن أن إسرائيل ذاهبة نحو تطورات سلبية لا مناص منها، خصوصاً وأنها تكاد تكون قد استنفدت مواردها البشرية ومواردها الاقتصادية المرصودة في موازنتها لأهداف أمنية وعسكرية وتقنية . وفي الوقت ذاته، ينظر المجتمع الإسرائيلي بعد خمسين سنة من الصراعات والحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية حتى حول مسائل أولية مثل مسألة "من هو اليهودي"، إمارات متزايدة من الإنهاك القومي، بحيث فقدت الدولة اليهودية الإجماع الوطني على العديد من القضايا الرئيسية في المجالين السياسي والأمني، كما وتلطخت صورة الجيش ومنزلته مثلما تلطخت سمعة المؤسسات الأمنية الأخرى، مثل الموساد والشاباك. وحلّت، بنتيجة هذه التطورات، حالة من القلق المتزايد حيال قدرة إسرائيل على الصمود في المدى البعيد بعد أن أصبحت معزولة أكثر فأكثر، ومفضوحة الأهداف الجيوسياسية التي تمس جوهر مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة، لما تسببه من استفحال التوتر والنزاعات وإشاعة أجواء التطرف والعنف واللامنطق وتعطيل جميع المساعي الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج من حالة التأزم والضيق حتى حدود اليأس.

إن الولايات المتحدة هي التي صنعت هذا المخلوق العجيب المتفوق، الذي يحاول الانقلاب على سيده، وهي وحدها القادرة حتى الآن على إنقاذ نفسها وإنقاذه قبل أن تنفلت الأمور من عقالها وتتحول "الأعجوبة" إلى كارثة حقيقية.


[1] هآرتس 1/5/1992.

[2] هآرتس 13/5/1992.

[3] هآرتس 18/9/1992.

[4] "الكيان الصهيوني في عام 2000"، تأليف نخبة من السياسيين والباحثين الإسرائيليين، وكالة المنار للصحافة والنشر ص 36. مقال بعنوان "هوية إسرائيل في القرن 21"،  أكوف هارئيفين.

[5] المصدر نفسه

[6] "الكمية والنوعية في الاستراتيجية الإسرائيلية" -الجزء الثاني- ص. 73 ، وكالة المنار للصحافة والنشر- قبرص.         

[7] المصدر نفسه.

[8] "الستراتيجيات العربية وردود الفعل الإسرائيلية"، يهو شفاط هركابي، ترجمة أحمد الشهابي، مكتب الدراسات الفلسطينية، ص 84 وما بعدها.

[9] المصدر نفسه

[10] السفير، 5/5/1998.

[11] "الطبيعة الطبقية للمجتمع الإسرائيلي"، حاييم هانغفي وآخرون، ترجمة ابراهيم منصور، بيروت، دار ابن رشد 1979 - ص 10.

[12] الأرض - العدد 2 - تاريخ 7/3/1978 ص 3، نقلاً عن دافار 20/8/1971.

[13] "الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية"، د. رشاد عبدالله الشامي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1986، ص 174 وما بعدها.

[14] "الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968"، ص 449 نقلاً عن صحيفة الاتحاد (حيفا) 16/11/1968.

[15] "الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين بين النظرية والتطبيق"، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1988 ص 90.

[16] النهار، 24/5/1998.

[17] الكفاح العربي، 15/5/1998.

[18] المصدر نفسه.

[19] المصدر السابق.

[20] "الخداع"، بول فندلي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، طبعة 1993، ترجمة د. محمود يوسف زايد، ص231.

[21] المصدر نفسه، ص234.

[22] المصدر السابق، ص235.

[23] المصدر نفسه، ص191.

[24] دراسات ستراتيجية، تموز/يوليو 1995، ص15.

[25] "المعونات الأميركية لإسرائيل"، مصدر سابق، ص918

[26] "المعونات الأميركية لإسرائيل"، مصدر سابق، ص918..

[27] "الخداع"، بول فندلي، ص152

[28] حداشوت، 19/3/1993، أمنون برزيلاي، ص2.

[29] مجلة الأرض، دمشق، العدد 3 آذار 1994، التسلح الإسرائيلي، نور الدين عليان، ص20.

[30] دافار، 14/10/1993.

[31] صحيفة الحياة، 10/5/1996، نقلاً عن وكالة رويتر.

[32] المصدر السابق.

[33] المصدر نفسه.

[34] المصدر السابق.

[35] نشرة الأرض، العدد 14، تاريخ 10/4/1989، ص 407، نقلاً عن هآرتس 5/4/1989.

[36] المصدر نفسه.

[37] الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1970، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1974، ص468، نقلاً عن معاريف 11/6/1969.

[38] مجلة الأرض، دمشق، العدد 3، 21/10/1977، نقلاً عن دافار 21/1/1974، ص 9

[39] -الإسرائيليون الأوائل، 1949"، تون بيغن، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الأولى، 1986،  ص44.

[40] المصدر نفسه.

[41] الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1971، ص 369.

[42] الأرض، دمشق، العدد 3، 21/10/1977، ص 12.

[43] مجلة الدراسات الفلسطينية، ربيع 1998، عدد خاص بحرب عام 1948، رقم 34، الملحق.

[44] هآرتس، 12/4/1998.

[45] دليل إسرائيل العام، المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، نظرة في المفاهيم والهيكليات"، ص 302 وما بعدها.